الفصل الأول
التأصيل الأصولي للوسائل في الشريعة الإسلامية
المبحث الأول
الوسائل والذرائع وحجيتها.. والمقدمة والتوابع
تمهيد
إن المقاصد الشرعية، سواء كانت جلبا للمصلحة أو درءا للمفسدة، يتوصل إليها بامتثال أوامر الشارع، واجتناب نواهيه. والمأمور به لا يتوصل إليه إلا بتحصيل وسائله وأسبابه، وهذا يقتضي أن تكون هـذه الوسائل والأسباب في قوة المطالبة بها تابعة لمقاصدها ولمسبباتها، وكذلك المنهي عنه له وسائل تفضي إليه، ولا يعقل أن تمنع المحرمات وتباح الوسائل المؤدية إليها، وهذا يقتضي أن تكون الوسائل في قوة المنع منها تابعة لما توصل إليه.
يقول
الإمام ابن عاشور ، رحمه الله، في أثناء حديثه عن الوسائل: «هذا الباب هـو المدخل لتمييز الأحكام الشرعية المنوطة بتصرفات الأمة ومعاملاتها، ليعرف ماهو منها في رتبة المقصد؛ فهو في المرتبة الأولى في محافظة الشرع على إثباته وقوعا ورفعا، وماهو في رتبة الوسيلة فهو في المرتبة
[ ص: 25 ] الثـانية تابع لحالة غيره»
>[1] .. فكل ما يصـدر عن المكلف من أفعال فهي إما وسـائل وإما مقاصد، أو وسائل من جهة ومقاصد من جهة أخرى؛ لذلك قال
الإمام القرافي : «موارد الأحكام قسمان:
1- مقاصد وهي الأمور المكونة للمصالح والمفاسد في ذاتها.
2- وسائل: وهي الطرق المفضية إلى المقاصد.
لكن الملاحظ مع أهمية هـذا الموضـوع، أن اهتمام العلماء به قليـل ولا يتعدى مجال مقدمة الواجب، أو موضوع سـد الذريعة، حيث يتناولون فيها قسما واحدا من أقسـام الوسائل وهي الوسـائل المباحة التي تفضي إلى محرم، وقد علق ابن عاشـور على ما ذهب إليه العلماء بخصوص هـذا الموضوع فقال: «وهو مبحث مهم لم يف المتقدمون بما يستحقه من التفصيل والتدقيق، واقتصروا منه على ما يرادف المسألة الملقبة بسد الذرائع، فسموا الذريعة وسيلة، والمتذرع إليه مقصدا»
>[2] .
فالوسائل لا تتوقف على سد الذريعة ، أو مقدمة الواجب، أو مبحث المصالح والمفاسد، بل هـي أوسع من ذلك؛ لأنها تتعلق بكل منظومة أصول الفقه، فجذورها ممتدة في كل مباحث هـذا العلم، ابتداء بمباحث الحكم وانتهاء بالأدلة المختلف فيها. وهذا ما سنقوم ببيانه، إن شاء الله.
[ ص: 26 ]