توطين العلوم في الجامعات العربية والإسلامية (رؤية ومشروع)

الدكتور / علي القريش

صفحة جزء
النزعة العلموية والانفلات عن السياقات

مع ما ينبهنا إليه «علم اجتماع العلم» من أن المعرفة بكل فروعها تمتلك أنساقا تختلف وتتوزع باختلاف وتنوع الثقافات، يظل التجزيئيون في العالم النامي يغفلون التأسيسات الفلسفية للمعرفة، ويقصرون عن إدراك [ ص: 195 ] العلوم ضمن سياقاتها الاجتماعية، فضلا عن التساؤل عن معطياتها النهائية، ذلك أن التبعية الإدراكية التي هـيأت لها الثقافة الغربية المهيمنة، جعلت من العلم الغربي العلم الشرعي الوحيد، فجهل لذلك الكثيرون دور «المخصبات الثقافية» >[1] ، التي يمكن أن تفرزها الخصوبة الحضارية في الحقـل المعرفي، بل بما يمكن أن تقدمه من رؤيـة «منحـازة» لجـانب من الواقع «الفيزيقي» أو الاجتماعي الإنساني – كما يشير بحق د. عبدالسميع سيد أحمد >[2] - لهذا نشأت في الوطن العربي نزعة واضحة في هـذا المجال هـي «العلموية Scientism» >[3] التي أصبحت تشكل –كما سبق أن بينا – جزءا من العقلية العربية – وبخاصة النخبة المتعلمة والمتخصصة، ومؤدى « العلموية » أن الوسيلة إلى التقدم الحضاري هـي تداول «أرقى» و «أحدث» النظريات العلمية دون معرفة أسسها الفلسفية، أو دون التعرض للتغيرات التي يفرضها [ ص: 196 ] هذا التجديد العلمي على الأفكار العلمية والاجتماعية والسياسية، فيؤخذ العلم دون تاريخيته، وتتحول المادة العلمية كأنها جهاز مستورد أو قطعة تكنولوجية جديدة >[4] .

التالي السابق


الخدمات العلمية