- معرفة بعض الغيب استثناء
وإذا كان النبي الكريم عليه الصلاة والسلام لا يطلع على الغيب ولا يحيط بمعرفته فليس معنى ذلك أنه لا يعلم منه شيئا، فهو عليه السلام يعلم منه الكثير مما علمه الله، وهذا صريح قوله تعالى:
( قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا ) (الجن:25-28) ؛
أي: وقت العـذاب -وقيل: القيامة- غيب لا يعلمه إلا الله، ولا أدري أهو قريب أم إن له أجلا وغاية تطول مدتها. فإن الله لا يطلع على غيبه مخلوقا، إلا من يصطفيه لرسالته فيظهره على ما يشاء من الغيب
>[1] .
ولذلك بوب
البخاري في صحيحه: باب: قول الله تعالى:
( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا ) الآية، وذلك في كتاب التوحيد. قال الشارح:
[ ص: 44 ] «اختلف في المراد بالغيب؛ فقيل: هـو على عمومه، وقيل: ما يتعلق بالوحي خاصة، وقيل: ما يتعلق بعلم الساعة، وهو ضعيف؛ لأن علم الساعة مما استأثر الله بعلمه»
>[2] . وقال
ابن كثير :
( إلا من ارتضى من رسول ) (الجن:27) ، هـذا يعم الرسول الملكي والبشري
>[3] . فالقاعدة إذن هـي اطلاع الرسل على الغيب الذي له تعلق بالرسالة، وما عدا ذلك فالأصل فيه عدم اطـلاعهم عليه، كما قال سبحانه:
( وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء ) (آل عمران:179) ،
قال
ابن عاشور : «هذا استثناء من مفاد الغيب؛ أي: الغيب الراجع إلى إبلاغ الشريعة، وأما ما عداه فلم يضمن الله لرسله اطلاعهم عليه، بل قد يطلعهم وقد لا يطلعهم»
>[4] .
وقد ذكر
الرازي -وأشار إليه
ابن كثير - أن الغيب هـهنا هـو القرآن، وما فيه من الأنباء والقصص
>[5] . والقول بالعموم أولى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بلغ القرآن وغير القرآن، كما في إخباراته الكثيرة عن عوالم الغيب وعن المستقبلات والفتن، وما يكون من أشراط الساعة... وغير ذلك كثير جدا، أفرده العلماء -وبخاصة أهل الحديث- بالتأليف والتصنيف.
[ ص: 45 ]