- الأصل أن الرسول يتصرف في الغيوب بمقتضى البشرية
لذلك يمكن القول: إن النبي الكريم حين لا يطلعه الله تعالى على الغيب في نازلة ما فإنه يتصـرف باجتهاده ومجهوده؛ أي بمقتضى بشريته.
( تروي أم سلمة رضي الله عنها أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم سمع خصومة بباب حجرته، فخرج إليهم فقال: «إنما أنا بشر، وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صدق فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هـي قطعة من النار فليأخذها أو فليتركها ) >[1] .
( وفي طريق آخر: «إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو مما أسمع منه، فمن قطعت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له به قطعة من النار ) >[2] .
قال
ابن العربي : «المراد باللحن هـنا: القصد في المعنى، وهو الفطنة أيضا والبصر بمداخل الأمور ومخارجها، وسوق القول على السبيل النافعة المفضية إلى المراد»
>[3] .
ويجوز أن يكون معناه: أفصح تعبيرا عنها، وأظهر احتجاجا؛ حتى يخيل أنه محق وهو في الحقيقة مبطل
>[4] . ومقصود النبي الكريم -كما قال
النووي - «التنبيه على حالة البشرية، وأن البشر لا يعلمون من الغيب
[ ص: 46 ] وبواطن الأمور شيئا، إلا أن يطلعهم الله تعالى على شيء من ذلك، وأنه يجوز عليه في أمور الأحكام ما يجوز عليهم»
>[5] .