الأول : الطفولة:
خصائصها.. وحقوقها.. وحاجاتها
المبحث الأول: خصائص الطفولة
إن معرفة خصائص النمو تقدم فائدة كبيرة، ليس في مجال علم نفس النمو فقط، بل يستفيد منها العاملون في قطاعات أخرى كالمربين والمعلمين والآباء والمعالجين النفسيين والمتعاملين مع الفئات العمرية المختلفة وغيرهم.
فمعرفة خصائص النمو تجعلنا نتعامل مع كل مرحلة بما يناسبها؛ لأننا عندما نعرف الخصائص المميزة لكل مرحلة فإن تعاملنا معها سيكون أفضل، فمعرفتنا بحدود تفكير الأطفال تمكننا من حسن التعامل معهم وتربيتهم التربية السليمة، فعندما نحاول تعليم الطفل أشياء قبل أن يتحقق النضـج فيما له علاقة بالتعلم فإن الطفل سيجد صعوبة في التعلم وقد يعجز عن التعلم، وبالتالي يتولد لديه شعور بالنقص، ويرى نفسه غير قادر على التعلم، وسيستمر هذا الشعور حتى بعد حصول النضج، ومتى ما شعر الطفل أنه عاجز عن شيء فإنه لن يستطيع تحقيقه حتى لو كان قادرا عليه فعليا.
ولكن الحرص على تحقق النضج قبل حدوث التعلم لا ينبغي أن يدفع الآباء والمربين إلى تأخير تعليم الطفل الأشياء المختلفة إلى سن متأخرة جدا، فهذا بدوره يعين تحقيق مطالب النمو وبالتالي ينعكس على نفسية الطفل
[ ص: 35 ] ولا سيما ثقته بنفسه وشعوره بالإنجاز، وخلاصة القول: إن تعليم الأطفال الأمور المختلفة ينبغي أن يكون في السن الملائمة، وذلك لا يتأتى إلا بمعرفة خصائص المرحلة العمرية للطفل وهذه الخصائص هي:
- الخصائص الجسمية
أثبتت الدراسات أن الأطفال خلال السنوات بين الثالثة وحتى نهاية السادسة من العمر يحققون زيادة سنوية في الطول مقدارها 7 سم تقريبا، وكيلو جرامين في الوزن تقريبا، أما بعد ذلك فإن متوسط الزيادة السنوية في الطول هو 5 سم تقريبا وكيلو جرامين في الوزن، ومما يلاحظ أن الزيادة في النمو الطولي تقل تدريجيا كلما كبر الطفل.
أما من حيث العلاقة بين الطول والوزن فإن الملاحظ في السنوات الأخيرة (بعد سن السادسة بشكل عام) أنه بينما يتباطأ النمو في الطول تظل الزيادة في الوزن مستمرة بمعدلها السابق تقريبا، وهذا يعني أن الأطفال بعد السادسة يأخذون بالزيادة التدريجية لنسبة الوزن إلى الطول، ويعني أن تبدأ أجسامهم في الامتلاء نسبيا بالمقارنة بالسنوات قبل السادسة ويبلغ ذلك أقصاه في نهاية الطفولة، وكأن ذلك استعداد للمرحلة التي تليها أي حدوث البلوغ والزيادة السريعة في الطول مرة أخرى.
- الغدد
تنمو الغدد الصماء في جسم الطفل كما هو الحال في بقية أعضاء الجسم، ولكن يلاحظ في أواخر الطفولة أن الغدد التي كان من وظائفها
[ ص: 36 ] كف الغـدد الجنسية أثناء الطفولة، وهما الغدة الصنوبرية والغدة الثيموسية ، تبدآن في التقليل من هذا الكف والظهور قليلا، في حين تنشط الغدد الجنسية لتهيئ الطفل للبلوغ؛ هذه التغيرات الغددية في الطفولة تكون للذين سيبلغون مبكرين بينما لا تحدث إلا في بداية المراهقة للذين يبلغون متأخرين.
ولعل من التأثيرات غير الملاحظة لهذه التغيرات أن الدافع الجنسي يبدأ بشكل خفيف، وبالتالي فالإثارة الجنسية يمكن أن تحدث في أواخر مرحلة الطفولة لنسبة من الأطفال لو توافرت الظروف التي تشجع على ذلك، ولعل في هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وتوجيهه ما ينبه لذلك ويرشد للتعامل الحذر مع هذا الموضوع حيث قال صلى الله عليه وسلم:
( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع ) >[1] .
- الحواس
ليست هناك تغيرات واضحة في الحواس خلال هذه المرحلة باستثناء حاسة البصر، إذ يظل الأطفال حتى سن الثامنة أو التاسعة تقريبا ولديهم طول في النظر ويجدون صعوبة في التدقيق في الأشياء القريبة وخصوصا الصغيرة منها، ومن هنا وجب أن تكون كتب المراحل الأولى من التعليم الابتدائي مكتوبة بخط كبير.
[ ص: 37 ] - الجانب الحركي
يحصل خلال مرحلة الطفولة تقدم كبير في النمو الحركي العام والخاص، ومما يمكن الإشارة إليه في هذا المجال: ظهور الاستعداد لتعلم المهارات الدقيقة، وقد أوضحت بعض الدراسات أن الذكور يتفوقون في الحركات الكبرى العامة كالقفز والجري، بينما يتفوق البنات في الحركات الدقيقة كالكتابة.. وخلاصة الأمر: أن مرحلة الطفولة تعد حركة الطاقة الزائدة والنشاط العام، ففيها لا يفتر الأطفال عن اللعب والحركة، وينبغي أن ننظر إلى حركة الطفل على أنها أمر طبيعي بل صحي من الناحية النفسية والجسمية، وفي الواقع أن الطفل الذي لا يتحرك هو الطفل غير الطبيعي الذي ينبغي استقصاء حالته لكي لا تؤثر على مستقبله.
- الخصائص العقلية
يتميز إدراك الطفل في هذه المرحلة بأنه إدراك حسي وليس مجردا، لهذا فإنه يتفاعل مع الأشياء تفاعلا حسيا وتخيليا، ويميل إلى اللعب الإيهامي وسماع القصص الخيالية ويحاول أن يفهم كل ما يدور حوله، لذلك تكثر أسئلته عن الأشياء والأشخاص فتزداد لديه كلمات: لماذا؟ وكيف؟ وأين؟ ومتى؟ ومن أين؟ ويرغب في الحصول على الأجوبة، لذلك فإن طبيعة الأجوبة التي يسمعها الطفل من المربية والأسرة عن أسئلته مهمة جدا لإنماء إدراكه، كما يبدأ الطفل في إدراك المفاهيم مثل: الزمان والمكان والعدد والأشكال والتعلم في إطار ضيق ويتذكر العبارات البسيطة ويزداد معه
[ ص: 38 ] الرصيد اللغوي إلى 1200 كلمة في سن الثالثة وإلى 1800 كلمة وهو في الرابعة و2000 كلمة في الخامسة و2500 في السادسة، كما يستخدم الجمل المفيدة ويميز الحروف في نهاية المرحلة.
ويتأثر هذا الإدراك بعوامل خارجية كالبيئة، فالطفل الذي يذهب إلى روضة الأطفال ينمو في إدراكاته العقلية أكثر من الطفل الذي لم يذهب إلى الروضة وبخاصة حينما تكون الروضة فاعلة في التعليم، وأن تفاعل الأم مع الطفل يمثل دورا إيجابيا في إنماء اللغة عنده وأن غياب الأم عن الأسرة يؤثر سلبا على النمو العقلي للطفل، كما أن المستوى الثقافي والاقتصادي المرتفع يؤثر بصورة إيجابية على تكون النمو الإدراكي للطفل.
ولمساعدة الطفل على إنماء قدراته العقلية ينصح بتنوع المثيرات التعليمية في بيئة الطفل واحترام أسئلته والإجابة عنها بكل عناية بما يتلاءم مع إدراكاته
>[2] .
ويرى التربويون أنه ينبغي للتعامل الصحيح مع أسئلة الطفل الكثيرة مراعاة النقاط التالية:
1- أن نضع في الاعتبار أن أسئلة الطفل وسيلة مهمة من الوسائل التي تساعد على النمو العقلي والمعرفي للطفل.
2- عدم نهر الطفل عن السؤال أو الطلب منه عدم السؤال.
[ ص: 39 ]
3- الإجابة عن جميع الأسئلة دون تهرب؛ لأننا إذا لم نجب عليها فإن الطفل سـوف يبحث عن الإجابة لدى الآخرين، وقد يحصل على إجابات لا نرضاها أو ربما يستغل من خلالها.
4- أن يكون ما نقـدمه من إجـابات صحيحا وليس كذبا ولكن بما يناسب عمر الطفل؛ لأن أسئلة الطفل المحرجة قد تدفع الآباء أحيانا للكذب وهذا ما لا ينبغي تنفيذا للأمر الشرعي، فالإسلام نهانا عن الكذب حتى على الصغار، فلقد
( سمع الرسول صلى الله عليه وسلم أم عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما، تناديه بقولها: تعال أعطك، فسألها عما ستعطيه فأجابته بأنها ستعطيه تمرا فقال لها صلى الله عليه وسلم: أما إنك لو لم تعطه شيئا كتبت عليك كذبة ) >[3] >[4] .
- الخصائص الانفعالية
يعد النمو الانفعالي مسألة ضرورية لإنماء شخصية الطفل ولكنه ينمو بصورة تدريجية ويتأثر بردود الأفعال السائدة في البيئة، التي قد تختلف باختلاف الظروف والأشياء والأفراد والمواقف التي تؤثر في تنشئة الأطفال.
ويلاحظ أن أول الانفعالات تظهر بصورة مركزة حول ذات الطفل كالخجل والشعور بالذات ولوم الذات ومشاعر الثقة بالنفس، كما يتوجه الطفل بالحب نحو الوالدين بسبب إشباع حاجاته من قبلهما، فمفهوم
[ ص: 40 ] (الذات) يعد جانبا من أهم جوانب الشخصية؛ ويقصد بمفهوم (الذات) الفكرة التي يحملها الفرد عن نفسه، وقد تحمل تقديرا إيجابيا أو سلبيا؛ ويتدرج الناس في تقديرهم لذواتهم بين السلبية الشديدة والإيجابية الشديدة، وتتميز انفعالات الطفل بالشدة والتنوع والتقلب والشفافية وعدم الاستقرار، فمرة يميل إلى الحب الشديد وأخرى إلى الغضب الشديد والكراهية والبكاء والضحك والعبوس والبشاشة إلى غير ذلك.
ويظهر على الطفل شعور الخوف بسبب فقدان الأمن أو فقدان أمه، كما يخاف من الحيوانات والظلام والأشباح؛ ويتطور السلوك الانفعالي من حالته الجسمية إلى حالته اللفظية وبخاصة أثناء نوبات الغضب، وتعتري الطفل الغيرة حينما يشاركه شقيقه الأصغر في حب أمه فيشعر أن مكانته قد هبطت لذلك يسلك سلوكا انفعاليا لإعادة اهتمام والديه، ويلاحظ أن الطفل يخاف الأماكن المهجورة وبعض الحيوانات، ويظهر الخوف على الطفل بصورة عامة تشمل جسمه ووجهه ثم يتحول إلى هرب وهياج، ولذلك ينصح الآباء بضرورة المشاركة الشخصية والإشراف المباشر على تربية الأطفال الذين هم في مرحلة الطفولة بمساعدتهم في التغلب على الانفعالات السلوكية وإشباع حاجاتهم وإشعارهم بالاطمئنان وتخفيف عوامل الخوف والقلق والاضطرابات الأخرى وتعليمهم ضبط الانفعالات وتأمين صحة نفسية تساعدهم على السلوك السوي
>[5] .
[ ص: 41 ]
إذا نرى مما سبق أن التأثر والتشكيل يكون خلال مرحلة الطفولة، ويثبت تدريجيا في مرحلة المراهقة، مما يكاد يكون من الصعب تغييره بعدها.. وتعديل بعض سلوكيات الأطفال يتطلب تعديل مفهومهم عن ذواتهم، فهناك أساليب يلجأ إليها الأطفـال لتأكيد ذواتهم والتعامل معها فما أن يدرك الطفـل مع نهاية عامه الثاني تقريبا أنه كيان مستقل بذاته عن الآخرين إلا ويبدأ في سلوك أساليب يهدف من ورائها إلى تأكيد ذاته، من هذه الأساليب:
1- الإصرار على الرأي.
2- الميل لممارسة الاختيار.
3- التصرف الذاتي (المبادرة).
4- تقليد سلوك الوالدين.
5- الاستقلال النفسي ومحاولة الطفل الاعتماد على نفسه في القيام ببعض الأشياء.
6- المنافسة.
- مخاوف الأطفال
مع أن مخـاوف الأطفـال كثيرة ومتنـوعة ومتعـددة فإن هناك بعض المخـاوف تبـرز بشكل واضح في بعض السنوات أكثر من غيرها، من ذلك:
[ ص: 42 ]
1- الخوف من الأشياء المتخيلة
وتبرز هذه المخاوف بين الرابعة والسابعة تقريبا وذلك لخصب خيال الطفل وتأثره بما يسمع.
2- الخوف من الخبرات الجديدة
تتميز السنوات الوسطى من (6- 9) تقريبا بالخوف من الخبرات الجديدة مثل الذهاب إلى المدرسة وقد يمتزج الخوف بانفعالات أخرى مثل الفرح والشوق مما يجعل الطفل أحيانا في وضع متناقض.
ومن هنا وجب الاعتنـاء كثيرا بـهذه الخـبرة سواء من قبل الآباء أو المدارس للتخفيف من آثارها السلبية، وحتى لا ينعكس ذلك على اتجاهات الطفل المستقبلية نحو المدرسة.
3- الخوف من الرفض
المقصود به خوف الطفل من أن والديه قد لا يرغبون فيه وأنهم يمكن أن يتخلوا عنه، وهذا الخوف يظهر عند بعض الأطفال بين سن (6- 12) تقريبا؛ لأن محدودية تفكير الطفل وما يكونه من تصورات نتيجة تهديدات من والديه تجعل الطفل يصدق ذلك ويخشاه، وقد لوحظ في عدد من الدراسات أنه متى ما تكون لدى الطفل تصور بأن والديه يكرهونه فإنه سيكره نفسه، ويترتب على ذلك بعض المشكلات النفسية
>[6] .
[ ص: 43 ] - الخصائص الاجتماعية
يمثل النمو الاجتماعي مسألة ضرورية لإنماء شخصية الطفل، ويدور التكوين الاجتماعي للطفل حول التعامل مع نفسه والتعامل مع الآخرين الذين يعيشون معه ويتفاعل معهم خارج الأسرة، والتكيف مع الأشياء من حوله، والتوافق الاجتماعي واستمرار التنشئة الاجتماعية.
ومن أبرز مظاهر النمو الاجتماعي زيادة وعي الطفل بذاته وزيادة إدراكه للبيئة الاجتماعية وما فيها من علاقات، وزيادة المشاركة الاجتماعية، وتوسيع قاعدة التفاعل الاجتماعي داخل الأسرة ومع الأتراب، وتشكيل المعايير الاجتماعية والقيم الأخلاقية، بإدراك الخطأ والصواب، وإنماء صداقات مع الأطفال الآخرين واللعب معهم، ومحاولة جذب انتباه الراشدين من حوله، والميل إلى حب الثناء والتقدير، واللعب مع جماعات محدودة العدد.
والطفل يتأثر بطبيعة العلاقة بين الوالدين واتجاههما، وطريقة تنشئتهما للطفل، وما يسود الأسرة من حالة نفسية وسلوك اجتماعي، لذلك ينصح الآباء والمربون بإشباع حاجات الطفل، وبخاصة الحب والحنان والأمن النفسي وتحسين صورة العلاقات داخل الأسرة، وتعليمه الأدوار الاجتماعية التي تتطلبها مرحلته الإنمائية، وتحاشي التسلط والعقاب في تعديل السلوك، وتشجيع الطفل على التفاعل مع الأشياء المحيطة والتعرف عليها
>[7] .
[ ص: 44 ]