المبحث الثاني
حقوق الطفل في الإسلام
لقد اهتم التشريع الإسلامي بأمر الطفل، وأحاطه بالرعاية، وأقر له من الحقوق ما يضمن له حياة كريمة، وسنورد بعض الحقوق التي كفلها الإسلام للأطفال، ونقصد بكلمة «حقوق» تلكم الأمور الثابتة الواجبة الوفاء للطفل، التي وجه إليها الدين الحنيف في السلوك، الذي ينبغي أن يلتزم به المسلم تحقيقا لأهداف الحياة وفق التصور الإسلامي.
ولخطورة مرحلة الطفولة اهتمت الأديان السماوية والحضارات الإنسانية والقوانين الوضعيـة بتوفير البيئة الصالحـة لنمو الطفـل، وبقدر ما تنجح الأمم والشعوب في رعاية أطفالها وإشباع حاجاتهم المادية والنفسية والاجتماعية وتربيتهم على القيم والمثل العليا والأخلاق الفاضلة تتكون أجيال جديدة قوية البنيان قادرة على العمل والخلق والإبداع.
ولقد شهدت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية اهتماما ملحوظا بحماية حقوق الإنسان واحترام آدميته، وتجلى ذلك بشكل واضح في الدساتير والتشريعات والاتفاقيات الدولية التي تلزم الدول باحترام حد أدنى من الحقوق الإنسانية. ومع تصاعد حركة حقوق الإنسان بدأ التركيز على حماية الطوائف الإنسانية الأكثر ضعفا والأكثر حاجة للحماية والرعاية ومن بينها الأطفال.
[ ص: 45 ]
وقبل أن تعرف الإنسانية ما يسمى حاليا «بحقوق الإنسان» اعترفت الشريعة الإسلامية قبل ما يزيد عن أربعمائة عام بعد الألف بحقوق وضمانات للإنسان وللطفل بشكل خاص لا يجوز حرمانه منها أو الانتقاص من جوهرها، وألزمت المخاطبين بأحكامها بضرورة كفالتها، وتوعدت من يخل بها بعقاب في الدنيا والآخرة.
وحقوق الطفل في الشريعة الإسلامية كثيرة ومتعددة الجوانب للحفاظ عليه، خصت الأم ببعضها، وهي الحقوق التي تكون الأم أقدر من غيرها على القيام بها، وخصت الأب ببعضها كونه أكثر قدرة عليها، وخصت ولي الأمر أو الحاكم ببعضها الآخر، وجعلت الدولة الإسلامية في نهاية المطاف مسئولة دينيا عن إعالة من لا عائل له والإنفاق على من لا مال له؛ والشريعة الإسلامية في هذا التوزيع الدقيق المتوازن جعلت مرادها مصلحة الطفل باعتباره رجل المستقبل وذخيرة الغد.
ولقد أوجبت الشريعة الإسلامية للطفل حقوقا مادية وأخرى أدبية تسبق مولده وتواكب نشأته وتستهدف حفظ بدنه وصحته وإنماء ذهنه وإحياء ضميره وتحسين خلقه حتى يبلغ الحلم ويتحمل تبعة التكليف الشرعي بالإيمان والعمل الصالح فيسهم في عمران الكون ويحقق الخير لذاته وأمته.
وحدد الإسلام واجبات الوالدين تجاه الأطفال بتنشئتهم على أخلاق الإسلام، وأوجب على المربي أن يسلك في تربية الطفل نهجا وسطا فيمنع القسوة والعنف ويبتعد عن التدليل الزائد، كما أن الشريعة الإسلامية
[ ص: 46 ] حريصة على نشأة الطفولة في بيئة صالحة وظروف مواتية، ولهذا حرصت على التكوين السـليم للأسـرة من جميع النواحـي، فأوصت باختيار شريك الحياة، حيـث ينصح الإسلام باختيار الزوجة الصالحة ذات الدين،
قـال تعـالى:
( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ) (البقرة:221).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك ) >[1] .
وعندما سئل عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه: " ما حق الولد على أبيه؟ قال: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه القرآن " .
وكما اهتم الإسلام باختيار الزوجة الصالحة دعا أيضا إلى ضرورة تفضيل الرجل الصالح، فقال صلى الله عليه وسلم:
( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد ) >[2] .
وإذا كانت الوثائق والاتفاقيات الدولية قد حرصت على منح الطفل مجموعة من الحقوق منذ ميلاده، فإن الشريعة قد حرصت على حقوق الطفل قبل ذلك وهو ما يزال جنينا في بطن أمه، فأكدت حقه في الحياة وأقرت حقوقه المالية وحرصت على العناية بالأم الحامل رعاية لها ولحملها
>[3] .
[ ص: 47 ]
فنجد أن الفقهاء عرفوا الحق بأنه: ما ثبت في الشرع للإنسان أو لله تعالى على (الغير)، أي هو كل شيء مكنت الشريعة الإنسان منه وسلطته عليه، ومن هنا فالحقوق مصدرها التشريع الإلهي أو التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو التي لا تتعارض مع نص شرعي، وعلى ذلك فالحقوق بهذا المفهوم هي التي فيها صلاح البشر جميعا في إطارها العام وبالمعنى الحقيقي.. ومن هذه الحقوق:
1- حق الحياة:
إن الأصل في الشرع الإسلامي سلامة النفس البشرية ووجوب الحفاظ عليها وتحريم التعدي عليها بأي فعل أو وسيلة ما لم يكن ثمة سبب شرعي موجب، والأصل في ذلك قوله تعالى:
( من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون ) (المائدة: 32)،
فنجد في الآية أنه عز وجل ساوى بين قتل النفس الواحدة بقتل البشر جميعا، وساوى بين إحيائها بإحيائهم جميعا، ويستوي في ذلك الكبير والصغير والذكر والأنثى والصحيح والعليل، وقد حرم الإسلام كل عمل ينتقص من حق الحياة سواء أكان ذلك العمل تخويفا أم إهانة أم ضربا أم اعتقالا أم تطاولا أم طعنا في العرض، حيث إنها نعمة وهبها الخالق جل وعلا؛ فهدا الإنسان وأحاطها بأكبر سياج من الضمانات لحمايتها من أي عدوان، فحياة الإنسان المادية والأدبية موضع الرعاية والاحترام في الإسلام،
[ ص: 48 ] وبهذه التوجيهات قرر الإسلام حقا ثابتا للإنسان وهو حقه في الحياة لا يحل انتهاكه بأي شكل من الأشكال
>[4] .
ولقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبته الشهيرة المسماة بخطبة الوداع بمنع سفك الدماء، بقوله:
( فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ) >[5] .
فهذا الحق يعتبر ألصق الحقوق بوجود الإنسان، وهو حق طبيعي له، ومن نعم الخالق سبحانه، ولكن بعض الحضارات كانت تحرم الإنسان حقه هذا، ففي العصور القديمة كان الناس لا يقيمون وزنا لهذا الحق فيزهقون أرواح الأطفال خشية الفقر أو العار، وجاء القرآن ينهى عن القتل ويشرع شريعة القصاص وأعطى حق الحياة لكل طفل،
قال تعالى:
( ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ) (الأنعام:151)
>[6] .
[ ص: 49 ] 2- حق النسب:
بعد أن ضمن التشريع الإسلامي للطفل الحق في الحياة ضمن له الحق في النسب والانتساب لأبيه حتى لا يكون عرضة للجهالة ومن ثم ضياع حقوق أخرى مثل الإنفاق والإرث، فيقرر الله عز وجل ذلك في قوله سبحانه:
( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما ) (الأحزاب: 5)،
كما حرم الإسلام التلاعب بالأنساب أو محاولة انتساب الابن لغير أبيه، ورتب على ذلك العقاب الشديد، فلقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
( من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ) >[7] .
أما بالنسبة للطفل اللقيط أو مجهول النسب فمن الحقوق المقررة له شرعا أن يجعل له اسم يدعى به، ويشترط في هذا الاسم أن يكون إسلاميا لا يتنافى مع أحكام التسمية في الشرع
>[8] .
والشريعة الإسلامية قررت أن النسب لا يثبت إلا بولادة حقيقية ناشئة من علاقة غير محرمة، لذلك حرم الإسلام التبني تحريما قاطعا ونفى أن يكون التبني سببا لثبوت النسب، لذلك من حق الأطفال أن ينسبوا إلى آبائهم، ويجوز أن يعهد بهم إلى أسر تتولاهم، ويكونوا بمنـزلة الأبناء وليس من قبيل
[ ص: 50 ] التبني، ولقد تبنى الرسول صلى الله عليه وسلم مولاه زيد بن حارثة بعد أن أهدته إليه زوجته خديجة فكان ينادى زيد بن محمد فنـزل القرآن ينفي التبني نفيا مطلقا
>[9] بقوله:
( ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ) (الأحزاب: 4).
فإثبات النسب للطفل ليس حقا له وحده ولكنه حق للأب والأم كذلك، وهو أيضا حق لله تبارك وتعالى، فهو حق للأب لأن من حقه صيانة ولده من الضياع ولأنه يترتب على ثبوت نسبه منه حقوق أخرى كحقه في الولاية عليه حال صغره وكحقه في إنفاق ابنه عليه إذا كان محتاجا وكحقه في الإرث من تركته إذا توفي قبله
>[10] .
وهو كذلك حق للأم؛ لأن من حقها أن تدفع عن نفسها تهمة الزنا وأن تصون ابنها من الضياع، كما أنه يترتب على ثبوت النسب للأم حقوق كإرث الولد منها وإرثها منه، وحقها في إنفاقه عليها في حالة عجزها وقدرته على النفقة عليها
>[11] .
[ ص: 51 ] 3- حق الرضاع:
يتفق علماء الاجتماع والطب على أن الأم هي أقرب الناس إلى ولدها، وأن لبنها هو أفضل غذاء له من غيره، وقد دعت المنظمات الدولية المعنية بالطفولة الأمهات في جميع أنحاء المعمـورة إلى العودة إلى الرضاعة الطبيعية لما في ذلك من تأثير كبير على صحة ونمو ونفسية الطفل؛ والشريعة الإسلامية وجهت الوالدات بأن يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، وجعلت حق الطفل في الرضاع واجبا دينيا
>[12] ، وذلك مصداقا لقوله الله عز وجل:
( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ) (البقرة: 233).
ولقد أجمع الفقهاء على وجوب إرضاع الطفل ما دام في حاجة إليه، وهو في سن الرضاع مع اختلاف في وجوبه على من؟ حيث قال بعض الفقهاء: يجب على الأب الاسترضاع لولده، وقال بعضهم: إنه يجب على الأم بلا أجرة، وأيا كانت الاختلافات الفقهية فإن المهم هنا هو ضمان حصول الطفل على الحليب اللازم لنموه في صغره حتى إن مات والده وأصبح يتيما، وهذا الحق مقرر كذلك للطفل اللقيط
>[13] .
[ ص: 52 ] 4- حق النفقة:
وهذا الحق من الحقوق المقررة للأبناء على الآباء في التشريع الإسلامي، وقد أجمع الفقهاء على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم؛ لأن ولد الإنسان بعضه وهو بعض والـده، كما يجب عليه أن ينفق على نفسه وأهله وأبنائه، كذلك على بعضه وأهله،
قال تعالى:
( لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا ) (الطلاق:7).
كما عد الرسول صلى الله عليه وسلم النفقة على الأبناء والأهل خير نفقة ينفقها الرجل، فعن ثوبان ، رضي الله عنه، قال:
( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله ) >[14] .
والنفقة الواجبة كما يعرفها الفقهاء هي: كفاية من يمونه خبزا وإداما وكسوة ومسكنا وتوابعها، كما تشمل النفقة الرضاع والحضانة والعلاج والمصاريف المدرسية وغيرها من الأمور اللازمة
>[15] .
وقد روي في الحديث أن رجلا من الأنصار توفي، وخلف أطفالا صغارا، وكان قد صرف ما يملكه من أموال قبيل موته بقصد العبادة وجلب رضا الله مما أدى بأطفاله إلى أن يمدوا يد العوز والحاجة يوم وفاته، وعندما
[ ص: 53 ] بلغ هذا النبأ إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال لقومه: ما صنعتم به؟ قالوا: دفناه، فقال: أما أني لو علمته ما تركتكم تدفنونه مع أهل الإسلام، ترك ولده يتكففون الناس
>[16] .
ولقد أشارت المادة (27) من اتفاقية حقوق الطفل إلى مسئولية الإنفاق على الطفل فتعترف الفقرة الأولى من هذه المادة بحق كل طفل في مستوى معيشي ملائم لنموه البدني والعقلي والروحي والمعنوي والاجتماعي، وتحمل الفقرة الثانية من المادة نفسـها الوالدين أو أحـدهما أو الأشخاص الآخرين المسئولين عن الطفل المسئولية الأساسية في القيام، في حدود إمكاناتهم المالية وقدراتهم، بتأمين ظروف المعيشة اللازمة للطفل
>[17] .
وإذا كان للأب الأجر والمثوبة في التوسعة على الأهل والإنفاق على العيال فإن عليه الوزر والإثم إذا أمسك عن الإنفاق على الأهل والأولاد وهو يستطيع من مأكل ومشرب.
وإذا لم يستطع الأهل الإنفاق على أولادهم فلهم الحق في الإعاشة من بيت مال المسلمين من مأكل ومشرب وعلم
>[18] .
[ ص: 54 ] 5- حق التعليم:
لقد حث الإسلام على طلب العلم وفرضه على كل مسلم ومسلمة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
( طلب العلم فريضة على كل مسلم ) >[19] ، والخطاب هنا يشمل الذكر والأنثى كما هو مقرر لدى شراح الحديث، وقد أوجب الإسلام على الآباء تعليم أطفالهم، وهذا ما فهمه علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه،
من قوله عز وجل:
( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة ) (التحريم: 6)،
حيث ( قال: علموهم وأدبوهم ) ، وينقل الشوكاني عن ابن جرير ، رحمهمـا الله، قولـه في هذه الآية: فعلينا أن نعلم أولادنا الدين والخير وما لا يستغنى عنه من الأدب
>[20] ؛ ويروي الترمذي ، رحمه الله، قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
( لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم:
( ما نحل والد ولدا من نحل أفضل من أدب حسن ) .
فمن كل هذه الآثار يتبين حق الطفل في التعلم والتعليم مع ضرورة مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال وإعطاء كل عمر ما يناسبه من جرعة تعليمية تتوافق مع قدراته وتتواءم مع مرحلته العمرية، ولعل من إنفاذ هذا الحق في وقتنا المعاصر إلحاقه في المدارس إذا وصل إلى سن الدراسة المقررة نظاما، ومن إنفاذ هذا الحق وهو المقدم تعليم الطفل الآداب والسلوك
[ ص: 55 ] والمهارات الأساسية وما يطيقه من عقائد وعبادات تتناسب ومستوى نضجه العقلي والنفسي والاجتماعي
>[21] .
ويرى ابن القيم «وجوب تأديب الأولاد وتعليمهم، والعدل بينهم، حيث يقول: إن من أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة؛ وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسنته، فأضاعوهم صغارا فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارا.. وكم من والد حرم ولده خير الدنيا والآخرة وعرضه لهلاك الدنيا والآخرة، وكل هذا عواقب تفريط الآباء في حقـوق الله وإضـاعتهم لها وإعراضهم عما أوجب الله عليهم من العلم النافع والعمل الصالح»
>[22] .
ولقد اهتمت معظم وثائق حقوق الإنسان بحق الطفل في نيل حد أدنى من التعليم، واعتبرت هذا الحق من الحقوق الأساسية للطفل، فالمبدأ السابع من إعلان حقوق الطفل (89) لسنة 1959م ينص على تمتع الطفل بالحق في التعليم، ويكون التعليم مجانيا وإلزاميا على الأقل في مراحله الأولى، على نحو يرفع ثقافته وينمي قدراته وحسن تقديره للأمور وشعوره بالمسئولية لكي يصبح عضوا مفيدا في المجتمع، وتعتبر مصلحة الطفل العليا هي المبدأ الذي يسترشد به المسئولون عن تعليمه وتوجيهه وفي طليعتهم والده؛ وتعالج المادة (13) من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1966م حق كل طفل في الحصول على حد أدنى من التعليم، كما تنص على جعل التعليم الابتدائي إلزاميا وإتاحته مجانا للجميع
>[23] .
[ ص: 56 ] 6- حق الطفل في اللعب:
أثبتت دراسات علم النفس الاجتماعي أهمية اللعب للأطفال، فاللعب يهيئ للطفل فرصة فريدة للتحرر من الواقع المليء بالالتزامات والقيود والإحباط والأوامر والنواهي، كما يهيئ للطفل فرصة اكتساب معارف جديدة، ويتمثل ذلك باكتشاف الطفل للعلاقات السببية بين الفعل ورد الفعل أو بين ما يقوم به وما يترتب عليه من نتائج، فضلا عن أنه يسمح له بالتخلص ولو مؤقتا من الصراعات التي يعانيها.. والواقع أن الشريعة الإسلامية كانت سباقة قبل غيرها في إقرار هذا الحق للطفل، فقد أمرت الشريعة بهذا الحق صراحة ودعت المسلمين ليس فقط إلى إقرار حق الطفل في اللعب، بل أيضا دعت الكبار لمشاركة الصغار في ألعابهم.
وقد أورد علماء الحديث نصوصا كثيرة في كتبهم تحت عنوان: «استحباب التصابي مع الولد وملاعبته» تفيد أن اللعب مع الأطفال من الأمور المستحبة في الشريعة الإسلامية.
وقد أقرت اتفاقية حقوق الطفل حق الطفل في اللعب، وهو الحق الذي سبق أن أقرته الشريعة الإسلامية منذ وقت طويل للطفل، فالمادة 31 من الاتفاقية تنص على: «تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في الراحة ووقت الفراغ ومزاولة الألعاب وأنشطة الاستجمام المناسبة لسنه والمشاركة بحرية في الحياة الثقافية وفي الفنون»
>[24] .
[ ص: 57 ]
إذا نجد أن الإسلام قبل غيره اهتم بهذا الجانب في حياة الطفل، وحسبنا حديث عائشة ، رضي الله عنها، قالت:
( كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمعن منه فيسربهن إلي فيلعبن معي ) >[25] .
وتوضح عائشة، رضي الله عنها، ذلك الجانب في شخصية الصغير في حديث رؤيتها الحبشة وهم يلعبون والرسول صلى الله عليه وسلم يسترها بردائه بقولها:
( فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو ) >[26] .
7- حق الطفل في العدل والمساواة في المعاملة:
يعتبر الإسلام المساواة في معاملة الأطفال ذكورا وإناثا من الأمور المهمة التي تبني عليها الأسرة أسلوب تنشئة أبنائها؛ فقد روى الطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
( اعدلوا بين أبنائكم ) ، وهذا ينفي عن الأسرة تفضيل الذكور عن الإناث أو تفضيل الابن الأكبر عن سائر أخوته، أو تفضيل ابن على آخر بسبب تعدد الزوجات أو لأي سبب آخر،
قال تعالى:
( اعدلوا هو أقرب للتقوى ) (المائدة: 8).
فالإسلام لم يفرق في المعاملة الرحيمة والعطف الأبوي بين رجل وامرأة وذكر وأنثى. وإذا وجد في المجتمع
[ ص: 58 ] الإسلامي آباء ينظرون إلى الولد نظرة تمييز عن البنت فالسبب يعود إلى البيئة الفاسـدة، التي رضعوا منها أعرافا ما أنزل الله بها من سلطان تتصل بالجاهلية، وهذا يعود أيضا إلى ضعف الإيمان لكونهم لم يرضوا بما قسمه الله لهم من البنات.
فالإسلام بدعوته إلى المساواة المطلقة والعدل الشامل لم يفرق في المعاملة الرحيمة والعطف الأبوي بين رجل وامرأة وذكر وأنثى.
وروى مسلم
( عن النعمان بن بشير قال: انطلق بي أبي يحملني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، اشهد أني قد نحلت –أي أعطيت- النعمان كذا وكذا من مالي، فقال: أكل بنيك قد نحلت مثل ما نحلت النعمان؟ قال: لا، قال: فأشهد على هذا غيري.. ثم قال: أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ قال: بلى، قال: فلا إذا ) .. وفي رواية أخرى لمسلم
( قال: أفعلت هذا بولدك كلهم، قال: لا، قال: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم ) ، ووجه الدلالة في ذلك أن عدم المساواة بين الأولاد حرام، فوق أنه تمييز لبعض الأولاد على بعضهم الآخر، وهو من شأنه توليد العداوة والحقد والبغضاء بينهم ويؤدي إلى قطيعة الرحم
>[27] .
[ ص: 59 ]