3- التربية بالعقوبة:
حين لا تفلح القدوة ولا تفلح الموعظة فلا بد إذن من علاج حاسم يضع الأمور في وضعها الصحيح؛ والعلاج الحاسم هو العقوبة؛ والتربية بالعقوبة يكملها ويقابلها التربية بالمثوبة؛ وبعض اتجاهات التربية الحديثة تنفر من العقوبة ولكن الجيل الذي أريد له أن يتربى بلا عقوبة جيل منفك منحل.
[ ص: 94 ] إن العقوبة ليست ضرورة لكل شخص، فقد يستغني شخص بالقدوة وبالموعظة فلا يحتاج في حياته كلها إلى عقاب، والناس كلهم ليسوا سواء، فيهم من يحتاج إلى الشدة مرات أو مرات.
وليست العقوبة أول خاطر يخطر على قلب المربي، فالموعظة هي المقدمة، والصبر الطويل على انحراف النفوس لعلها تستجيب،
قال تعالى:
( واصبر على ما يقولون ) (المزمل: 10).
والتربية الرقيقة الحانية كثيرا ما تفلح في تربية الأطفال، ولكن التربية التي تزيد من الرقة واللطـف تضر ضررا بالغا؛ لأنـها تنشئ كيانا ليس له قوام.
ومن هنا كان لا بد من (شيء) من الحزم في تربية الأطفال، لصالحهم هم أنفسهم قبل صالح الآخرين، ومن الحزم استخدام العقوبة أو التهديد باستخدامها في بعض الأحيان.
والإسلام يتبع جميع وسائل التربية فلا يترك منفذا في النفس لا يصل إليه، إنه يستخدم القدوة والموعظة والترغيب والثواب ولكنه كذلك يستخدم التخويف والترهيب بجميع درجاته، من أول التهديد إلى التنفيذ
>[1] .
فهو مرة يهـدد بعدم رضا الله، ومرة بغضب الله، ومرة بحد الله ورسوله، ومرة بعقاب الآخرة، ثم يهدد بالعقاب في الدنيا، ثم يوقع العقاب،
[ ص: 95 ] كما قال تعالى:
( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا )
(المائدة: 38) إن التربية إذا ظلت أوامر ونواهي مجردة بحتة أو وصايا تربوية كلامية دون أن تتجسد في نماذج سلوكية وأنماط عملية من السلوك التطبيقي فإنها تفقد معناها وتظل جوفاء وتعتبر التربية بها فاشلة أو أنـها نظرية فلسفـية تبقى حبرا على ورق.
ولكن التربية النبوية وهي تستقي مناهجها وطرائقها فإنما تتبنى مبدأ العمل الإيجابي التنفيذي في سلوك المؤمن في نفسه ومع أعضاء مجتمعه، وهو واقع حينذاك لتوجيه عملي ميداني في حياة الناس من أخذ وعطاء وبيع وشراء ووعد ووفاء؛ من هذا المنطلق التربوي العملي نجد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم رغم وظيفته التربوية فإنه يجسدها عمليا ليكون المحتسب الأول في المجتمع في مراقبة السلوك العام وتوجيهه، فها هو صلى الله عليه وسلم يتجول في الأسواق فيمر على صبرة طعام فيدخـل يده فيها فنالت أصابعه بللا، إنها مراقبة توجيهية لمواقف منحرفة تتجـلى فيها عادات الغش في العرض والوزن
( فقال صلى الله عليه وسلم: ما هذا يا صاحب الطعام؟ ) ؛ إنه ليس سؤالا استفهاميا بل هو سؤال إنكاري تعجبي فيه إنذار... فقال الرجـل ملتمسـا لما قد نظنه عذرا: «أصابته السماء»
( فقال صلى الله عليه وسلم: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس ) ليشتروه على بينة
>[2] .
[ ص: 96 ] بعد هذه الحادثة العملية يضع الرسول صلى الله عليه وسلم المبدأ التوجيهي الأساس في سلوك المؤمن ونطاق المعاملة
( فيقول صلى الله عليه وسلم: من غش فليس مني ) >[3] ، وفي رواية:
( من غشنا فليس منا ) ؛ والعبرة هنا بعموم القاعدة التربوية لمكافحة كل أنواع الغش في أي مجال من مجالات الحياة، فينبغي للمربي أن يربي أبناءه على عدم الغش في جميع الأحوال؛ ويغرس فيهم منهج النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فهذا الموقف رأينا فيه إصلاحا عمليا لمفهوم نفسي واجتماعي خاطئ يعاقب من اتخذه وسيلة.
ويرى كثير من المربين أن العقوبة البدنية تولد القسوة والوحشية عند الطفل وهو ما تتفق معه التربية الإسلامية، وبإمعان النظر في أساليب التربية الإسلامية يلاحظ أنها تحض على التوجيه وعلى اللين وعلى استخدام العقاب المناسب في بعض الأحيان (كالحرمان من اللعب) على أن يكون هذا العقاب بقدر معقول بحيث يؤدي إلى تجنب السلوك السيء مع استخدام التعزيز والتشجيع للسلوك الطيب، أما إذا كان الإخلال بحق من حقوق الله تعالى على الأبناء فلا يتهاون في ذلك معهم، وإنمـا يعاقبون العقـاب المناسب كما حث الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك عندما أمر بتعليم الأطفال الصلاة وأمرهم بها وهم أبناء سبع سنوات والضرب عليها وهم أبناء عشر، لأن هذه عبادة تصل الطفل بربه، وتفعل في نفسه فعلا عجيبا، وتهدئ من ثوراته النفسية وتجعله سويا مستقيما.. وبالرغم من أنه صلى الله عليه وسلم يأمر بضرب من تركها وعمره
[ ص: 97 ] عشر سنوات إلا أنه يبشر الذين نشؤوا على عبادة الله بإقامة الصلاة بشارة عظيمة، روى الطبراني عن أبي أمامة ، رضي الله عنه، قال:
( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من ناشيء ينشأ في العبادة حتى يدركه الموت إلا أعطاه الله أجر تسعة وتسعين صديقا ) ، وروى ابن عبد البر في التمهيد بسنده " أن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه، قال: تكتب للصبي حسناته ولا تكتب عليه سيئاته " .
لقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الوالدين والمربين بتعليم أبنائهم أركان الصلاة وواجباتها ومفسداتها وحدد سن السابعة بداية المرحلة للتعليم، فقد روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها ) .
والرسول صلى الله عليه وسلم يباشر بنفسه تعليم الأطفال ما يحتاجونه في الصلاة ويصحح أخطاءهم وذلك واضح عندما قال الحسن بن علي ، رضي الله عنهما:
( علمني رسول الله كلمات أقولهن في الوتر ) .
وكان صلى الله عليه وسلم قبل كل صلاة يصف الأطفال في الصف الأخير، روى مسلم عن أبي مسعود قال:
( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) .. كما كان صلى الله عليه وسلم يوجه نداء للأطفال بعدم الالتفات يمنة ويسرة أثناء الصلاة، فعن أنس ، رضي الله عنه، قال:
( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بني إياك والالتفات في الصلاة فإن الالتفات في الصلاة هلكة ) >[4] .
[ ص: 98 ]
وكما علمهم الصلاة في سن معينة فقد أمر بمعاقبة من قصر في صلاته أو تهاون وتكاسل في أدائها في سن العاشرة، فإنه يجوز للوالدين استخدام الضرب تأديبا للولد على ما فرط في حق نفسه وعلى ظلمه لها باتباع سبيل الشيطان؛ لأن الأصل في هذه المرحلة أن ينصاع إلى أمر الله حيث ما زال في المرحلة الفطرية والشيطان ما زال تأثيره ضعيفا، فعدم صلاته دليل على تمكن الشيطان منه شيئا فشيئا، فلذلك هو بحاجة إلى العلاج النبوي وهو الضرب.
ولا بأس من إفهام الطفل سبب الضرب بتلاوة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع ) >[5] .
ويعلق الشيخ ولي الله الدهلوي على الحديث فيقول: «بلوغ الصبي على وجهين: بلوغ صلاحية السقم والصحة النفسانيتين ويتحقق بالعقل فقط، وأمارة ظهور العقل سبع، فابن سبع ينتقل فيها لا محالة من حالة إلى حالة انتقالا ظاهرا، وأمارة تمامه العشر، فابن العشر عند سلامة المزاج يكون عاقلا يعرف نفعه من ضرره ويحذق في التجارة وما يشبهها، وأن يصير من الرجال الذين يعانون المكايد ويعتمد على تمام العقل وتمام الجثة وذلك بخمس عشرة سنة في الأكثر، والصلاة لها اعتباران: فباعتبار كونها وسيلة فيما بينه وبين
[ ص: 99 ] مولاه منقذه من التردي في أسفل السافلين أمر بها عند البلوغ الأول، وباعتبار كونها من شعائر الإسلام يؤاخـذون بها ويجبرون عـليها أشاءوا أم أبوا، حكمها حكم سائر الأمور، ولما كان سن العشر برزخا بين الحدين جامعا بين الجهتين جعل له نصيبا منهما»
>[6] .
ويستفـاد من هذا الحـديث أن الضرب للطفل لأجل تعويده الصلاة لا يصح قبل العاشرة، ومن توجيه النبي صلى الله عليه وسلم يشعر الطفل بهيبة الأسرة وإمكانية عقاب المخطئ، فقد ورد في الحديث الصحيح:
( علقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه لهم أدب ) >[7] . فإن رؤية السوط قد تغني عن استعماله لما فيه من إمكانية استعماله، وأما إمكانية نوعية العقاب فإنه ليس من الضروري إحداث الألم فيه.
والعقاب يجب أن يتناسب مع العمر، فليس من العدل عقابه في السنة الأولى وفي السنة الثانية، فإن تقطيب الوجه يكفي والطفل لا يدرك معنى العقاب بعد.
والخطأ الذي يحـدث للمرة الأولى يحسن أن يخفف فيه العقاب إلا إذا وجد المربي أن الأصلح الردع لكبر الخطأ منعا لمعاودته فلا مانع من استعمال العقوبة الأشد لئلا يستهين بالذنب، وإذا وقع العقاب للطفل من أحد
[ ص: 100 ] الأبوين فالواجب أن يوافقه الآخر وإلا فلا فائدة من العقاب مع إشعار الطفل أن العقاب ليس للتشفي وإنما لمصلحته؛ وإن شعور الطفل بخلاف ذلك قد يحدث انحرافا معينا في نفسه وهو أن يتعمد إثارة والديه ليستمتع أثناء ثورتهما عليه؛ لأنه استطاع أن يثير الكبار ويزعجهم وهو صغير، وعندئذ تكون الخسارة مزدوجة فلا العقوبة أدت غرضها في الإصلاح وزاد في الطفل انحراف جديد هو تحقيق الذات عن طريق غير سوي.
ويجب تأكيد أن العقاب يجب أن يتلو الذنب مباشرة، وألا يكون من الخفة بحيث لا يجدي أو الشدة بحيث يشعر بالظلم أو يجرح الكبرياء؛ وأن تربية الطفل لا يصلح لها إلا ضبط الأعصاب مع التحمل المستمر لحركات الطفل وتصرفاته غير المتزنة، وهذا ما يراه الوالدان من أشق أنواع التحمل في شئون الأسرة ولكنه من أهم الضرورات لإصلاح تربية الطفل.
فإذا لم يصلح الطفل التصحيح الفكري والعملي وأصر على ارتكاب الخطأ كان التأديب حقا لازما عليه، ويتبع معه خطوات عقابية تبدأ بتعليق السوط، كما ذكرنا آنفا، ليخاف منه الطفل؛ لأنه بمجرد رؤيته له سيرتدع ويسارع إلى التصحيح ويتقوم سلوكه، وإذا لم يجد تعليق السوط فيبدأ المربي بأول عقوبة جسدية وهي شد الأذن؛ لأن هذه العقوبة سيتعرف من خلالها على ألم المخالفة وعذاب الفعل السيء الذي ارتكبه واستحق عليه ذلك، فقد أورد النووي في الأذكار قال: روينا في كتاب ابن السني عن عبد الله بن بسر المازني الصحابي، رضي الله عنه، قال:
( بعثتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطف من عنب فأكلت منه قبل أن أبلغه إياه، فلما جئت أخذ بأذني وقال: " يا غدر" ) .
[ ص: 101 ]
وعلى الوالدين عندما يضربان الطفل ويؤدبانه وهو يتألم فإذا استجار بالله تعالى فعليهما أن يقفا عن الضرب؛ لأن هذا الطفل وصل إلى القناعة بخطئه والرجوع عنه وفوق ذلك لجأ إلى الاحتماء بالله عز وجل، ومراعاة احتمائه بالله عز وجل لها آثار طيبة ومباركة في نفسه
>[8] .
وإذا لم ينفع مع الطفل رؤية العصا، كما ذكرنا، سابقا +ولا شد الأذن فإن المرحلة التالية تكون قادرة على تأديبه ونزوح الشيطان من رأسه، فالضرب يعتبر المرحلة الثالثة من مراحل التأديب والعقوبة.
فالتـأديب للأولاد من أوجـب الأمور على المربي؛ لأن ذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من المواقف التربوية، من ذلك: عن محمد بن زياد ، قال:
( سمعت أبا هريرة ، رضي الله عنه، قال: أخذ الحسن بن علي ، رضي الله عنهما، تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كخ.. كخ، ليطرحها، ثم قال: أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة ) >[9] ، وفي رواية لمسلم :
( أما علمت أنا لا نأكل الصدقة ) >[10] .
ففي هذا الحديث أهمية تأديب الأولاد بما ينفعهم ومنعهم مما يضرهم ومن تناول المحرمات، وإن كانوا غير مكلفين ليتدربوا على ذلك
>[11] .
[ ص: 102 ]
وقال النووي ، رحمه الله
>[12] :
( وقوله صلى الله عليه وسلم: كخ... كخ ) يقال بإسكان الخاء ويقال بكسرها مع التنوين، وهي كلمة زجر للصبي عن المستقذرات وكان الحسن ، رضي الله عنه، صبيا . وفي هذا الحديث زيادة لطيفة وهي طريقة الزجر بهذه الكلمة «كخ، كخ» ثم ما لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن علل لهذا الطفل سبب عـدم الأكل وعـدم حـله له، لتكون له قاعدة فكرية عامة في حيـاته كلها
( أما علمت أنا لا نأكل الصدقة ) وذلك بصيغة رائعة: «أما علمت»؟! وذلك ليكون وقعها على نفسه أقوى تأثيرا.
ولكن ذلك الضرب ينبغي أن يكون بضوابط معينة وهي أن يبتدأ بضربه بسن العاشرة كما أوردنا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم آنفا لأن ما قبل سن العاشرة من المفترض أن يتجلى المربي بالصبر والحلم؛ لأن الضرب لن يجدي مع ذلك الطفل.
ونستطيع أن نورد هنا لفتة تربوية رائعة في تقرير سن الضرب، فقد قال إسماعيل بن سعيد : سألت الإمام أحمد بن حنبل عما يجوز فيه ضرب الصبي على الصلاة، قال: إذا بلغ عشرا، وقال: إن أبا عبد الله قال: اليتيم يؤدب ويضرب ضربا خفيفا .
[ ص: 103 ]
وقال الأثرم : سئل أبو عبد الله عن ضرب المعلم الصبيان فقال: على قدر ذنوبهم، ويتوقى بجهده الضرب، وإن كان صغيرا لا يعقل فلا يضربه
>[13] .
فالعملية التربوية الهدف منها التأديب وليس العقاب الانتقامي، لذلك يجب على المربين الاعتدال فيه واستخدام العقل عند اللجوء إليه، فإن كثرة الضرب وشدته قد تؤذي الطفل فضلا عن أنها تقلل من هيبة المربي والضرب نفسه.
كذلك يجب أن يكون عدد الضربات محددا فلا يترك لنفسه العنان ويضرب ما يشاء، إنما لا يزيد عن عشر ضربات وذلك اقتداء بما أخرجه البخاري
( عن أبي هريرة ، رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله ) . وكذلك يجب أن تكون أداة الضرب بين اللين والشدة والغلظة والرقة.
وقد لخص الشيخ الفقيه شمس الدين الأنباري مواصفات أداة تأديب الأطفال فقال: «ويجب في السوط:
1- أن يكون معتدل الحجم فيكون بين القضيب والعصا.
2- أن يكون معتـدل الرطـوبة فلا يكون رطبا لشـق الجلد لثقله ولا شديد اليبوسة فلا يؤلم لخفته» .
ولخص الشيخ الفقيه شمس الدين الأنباري طريقة ضرب تأديب الطفل في (كتابه رسالة الصبيان):
[ ص: 104 ]
1- أن يكون مفرقا لا مجموعا في محل واحد.
2- أن يكون بين الضربتين زمن يخف به ألم الأول.
3- أن يرفع ذراعه لينتقل السـوط لأعضـده حتى يرى بياض إبطه فلا يرفعه لئلا يعظم ألمه
>[14] .
كل هذه الضوابط لكي تعطي العملية التربوية ثمارها في التأديب ويرتقي فيها الطفل إلى الأعلى، وعلى المربي حين يضرب الطفل يجب أن يبتعد عن الوجه، وألا يضرب وهو غضبان؛ لأن الغضب سيقوده إلى استخدام الألفاظ السيئة ويضربه ضربا يؤثر عليه.
فالعقاب البدني ليس هدفا في حد ذاته أو وسيلة دائمة للتأديب بل علاجا لمشكلة، ولهذا يجب تشخيص الخطأ وأسبابه قبل الإقدام عليه، وهذا ما يقوله عتبة بن أبي سفيان لمؤدب ولده: «وتهددهم بي، وأدبهم دوني، كن لهم كالطبيب الذي لا يعمل بالدواء حتى يعرف الداء» .
وإنه لمن الحكمة ألا نوقع عقوبة الضرب إلا بعد استنفاد الوسائل الأخرى في تعـديل السـلوك، وأن نتدرج في أسلوب العلاج حتى نصل إلى الضرب.
والخلاصة في هذا، كما يقول المربي الدكتور مصطفى السباعي في كتابه «هكذا علمتني الحياة»: «اسلك في تربية ولدك طريق الترغيب قبل الترهيب، والموعظة قبل التأنيب، والتأديب قبل الضرب، وآخر الدواء الكي،
[ ص: 105 ] ولا تستعمل الضرب إلا حـين تحقـق الموعظـة والتأنيب، ولكن ضربك له ضرب تربية لا ضرب انتقام، وتجنـب ضربه وأنت شـديد الغضب، واحذر موطن الأذى في جسمه، وأشعره وأنت تضربه أنك لا تزال تحبه، وقلل ما استطعت من استعمال الضرب وسيلة للتأديب، ولأن يهابك ويحبك خير من أن يخافك ويكرهك»
>[15] .