التوسط معمول به ما لم يخالف منصوصا
هذه القاعدة ضابط من ضوابط الوسطية، وشرط مقيد للعمل بالتوسط، ومعناها: أن الاحتكام إلى التوسط -كما هو المعهود من الشـارع وكما هو مقتضى النصوص- مطلوب ولازم وإلا فمندوب إليه، غير أن ذلك مشـروط بألا يصادم ما نص فيه على ترك التوسط، بالميل إلى طرف من الأطراف.
ومن الأمثلة التي ورد النص بخلافها وهي من قبيل الوسط فاستحقت بذلك الإلغاء والهدر: ما ورد
( أنه صلى الله عليه وسلم قال: ليس للنساء وسط الطريق ) >[1] ، فالحديث صريح في أن المشروع في حق المرأة أن لا تمشي في وسط الطريق مزاحمة للرجال بارزة بينهم، ومن ثم فإن الاستمساك بالوسط في مثل هذا الأمر وترك المشي بجانب الطريق مخالف لهدي الإسلام.
- ومثل هذا أيضا
( قوله صلى الله عليه وسلم : لعن الله من قعد وسط الحلقة ) >[2] ، فليس لأحد بناء على هذا النص أن يستمسك بالجلوس في وسط الحلقة غافلا عن هذا النهي معرضا نفسه للعن.
[ ص: 49 ] - ومن هذا القبيل أيضا
( قوله صلى الله عليه وسلم : البركة تنزل وسط الطعام، فكلوا من حافتيه ولا تأكلوا من وسطه ) >[3] ، فهذا أدب الإسلام يؤدب به المسلم في الأكل، وما دام النهي واردا عن الأكل من وسط الآنية، فليس يستقيم أن يحتج أحد بأن الخير والبركة في الوسط فيتلمسهما هنالك.
وقد يظن بعض الناس أن الوقوف بين فريقي الحق والباطل وسط، ولكن القرآن يوجب الانضمام إلى أحد الفريقين، ولا يقبل هذا التردد، وهو ما يسميه نفاقا؛ «لأنه يمثل انحرافا من انحرافات الوسطية، قد يقع المرء فيه، وهو يظن أنه وسطي أو ذكي اجتماعيا، إن المنافق لا يبحث عن الحقيقة، ولا يصدر من موقف القوي، إنه يحاول أن يرضي الطرفين معا.. ولكنه في النهاية يخسر نفسه ويخسر الطرفين معا، يقول تعالى عن المنافقين:
( مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ) (النساء: 143) ، فهم ليسوا مع المؤمنين ظاهرا وباطنا، ولا مع الكافرين ظاهرا وباطنا...»
>[4] .
ومن هذا القبيل أيضا ما جاء من النهي عن الوقوف في صف الناس أينما كانوا، وهو ما سمي صاحبه بالإمعة ظنا منه أنه يقف في الوسط، وهو موقف شبيه بسابقه
>[5] .
[ ص: 50 ]