من تنطع في الدين هلك
هذا الضابط كسابقه في المعنى ويزيد عليه بتفسير نوع العاقبة، ومعناه مأخوذ من النصوص الشرعية كما سيأتي قريبا، ومن ثم يمكن اعتباره من جملة موانع تطرق الخلل إلى اعتدال الفرد ووسطية الأمة؛ لأن من علم أن غلوه يقوده إلى حتفه أحجم وأمسك، وأرز إلى القصد وسماحة الشريعة.
( عن ابن عباس قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على راحلته: هات القط لي، فلقطت له حصيات هن حصى الخذف، فلما وضعتهن في يده قال: بأمثال هؤلاء وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ) >[1] . . والحديث نص صريح في النهي عن الغلو في الدين، فمنهاج الدين وسبيله هو السماحة والتيسير وترك التشدد في حدود ما جاء في الشرع. ومن فوائد الحديث تنبيهه على قضية خطيرة جدا، وهي أن الغلو في الدين من أسـباب هلاك الأمم قبلنا. ومعلوم أن ميزان العدل لا يحابي،
( وعن ابن مسعود ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هلك المتنطعون قالها ثلاثا ) >[2] . . والمتنطعون هم المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم.
والحديث ظاهره خبر عن حال المتنطعين، إلا أنه في معنى النهي عن التنطع، وهو دليل على أن التوسط والاعتدال في الأمور هو سبيل النجاة من الهلاك، فإنه إذ ذم التنطع وهو المغالاة والمجافاة وتجاوز الحد في الأقوال والأفعال، فقد دل على أن المطلوب هو التوسط.
[ ص: 168 ]