بالعدل يتأتى كل مراد
هذه القاعـدة من باب تأكيد فوائد الاعتدال وثمراته القريبة المنال، أعني ما يترتب على التوسط من صلاح حال صاحبه وتيسر أموره، وهي في أصلها من منصوصات
الإمام ابن الجوزي ، فلله دره كم نفع الله بكتبه؛ قال تحت هذه القاعدة: «ينبغي لطالب العلم أن يكون جل همته مصروفا إلى الحفظ والإعادة، فلو صح صرف الزمان إلى ذلك كان الأولى، غير أن البدن مطية واجتهاد السير مظنة الانقطاع، ولما كانت القوى تكل فتحتاج إلى تجديد، وكان النسخ والمطالعة والتصنيف لا بد منه، مع أن المهم الحفظ، وجب تقسيم الزمان على الأمرين فيكون الحفظ في طرفي النهار وطرفي الليل، ويوزع الباقي بين عمل بالنسخ والمطالعة وبين راحة للبدن وأخذ لحظه، ولا ينبغي أن يقع الغبن بين الشركاء فإنه متى أخذ أحدهم فوق حقه أثر الغبن وبان أثره، وإن النفس لتهرب إلى النسخ والمطالعة والتصنيف عن الإعادة والتكرار؛ لأن ذلك أشهى وأخف عليها.
فليحـذر الراكـب من إهـمال الناقة، ولا يجـوز له أن يحمل عليها ما لا تطيق، ومع العدل والإنصاف يتأتى كل مراد، ومن انحرف عن الجادة طالت طريقه، ومن طوى منازل في منـزل أوشك أن يفوته ما جد لأجله، على أن الإنسان إلى التحريض أحوج، لأن الفتور ألصق به من الجد.
وبعد، فاللازم في العلم طلب المهم، فرب صاحب حديث حفظ مثلا لحديث:
( من أتى الجمعة فليغتسل ) >[1] : عشرين طريقا، والحديث قد ثبت من طريق واحد فشغله ذلك عن معرفة آداب الغسل...»
>[2] .
[ ص: 198 ]