القدس بعد ظهور الإسلام
القدس خلال العهد الراشدي
تمكن المسلمون بقيادة أبي عبيدة بن الجراح وبمشاركة كل من خالد بن الوليد ، وشرحبيل بن حسنه ويزيد بن أبي سفيان ، وغيرهم من الصحابة، رضي الله عنهم، من فتح بيت المقدس عام 15هـ (636م)، واشترط سكانها أن يكون تسليم المدينة للخليفة عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه، فجاءها عمر وتسلم مفاتيحها من صفرونيوس -بطريرك القدس، وأعطى الخليفة أهل القدس وثيقة الأمان المعروفة بالعهدة العمرية، وفيها تأمين النصارى على أماكن عبادتهم وعلى أنفسهـم وأن لا يجاورهم أحد من اليهود ، وقد شهد على هذه الوثيقة الصحابة خالد بن الوليد، وعبد الرحمن بن عوف ، وعمرو بن العاص ، ومعاوية بن أبي سفيان ، فضلا عن مانحها عمر بن الخطاب، ثم كشف عن مكان الصخرة المباركة، التي دفنت تحت الأتربة والحجارة، وتسابق المسلمون في مشاركته ذلك العمل حتى تم تنظيف الموضع المبارك وظهرت الصخرة، وبنى عمر، رضي الله عنه، المسجد المعروف بالمسجد العمري، وكانت الصخرة المشرفة خلفه
>[1] .
[ ص: 53 ] القدس خلال العهد الأموي
وكانت القدس بموضع الاهتمام والرعاية من قبل خلفاء بني أميـة، لا سيما عبد الملك بن مروان وابنه الوليد، اللذين بنيا مسجد قبة الصخرة والمسجد الأقصى بشكلهما الحالي تقريبا
>[2] .
القدس في العهد العباسي
دخلت القدس في الحكم العباسي عام 750م، وظلت خاضعة لهم قرنا وربع القرن، وخلال هذا العهد كانت القدس والأماكن المقدسة موضع اهتمام ورعاية لدى الخلفاء والولاة، وتمتعت باستتباب الأمن وتحسن العلاقات بين المسلمين والنصارى ، وسمح الخليفة هارون الرشيد للإمبراطور شارلمان بترميم الكنائس، وتعهد بحماية النصارى الذين يفدون إلى القدس بقصد الزيارة، كما تولى ابنه المأمون إعمار قبة الصخرة عام 813 م
>[3] .
القدس في العهد الفاطمي
انتقلت السيادة على القدس إلى أيدي الفاطميين، بعد ضعف الدولة العباسية، عام 966م، وظلت كذلك إلى سنة 1072م، وخلال هذه المدة بنى الفاطميون فيها البيمارستان وهو أول مستشفى عرفته القـدس،
[ ص: 54 ] كما بنوا دار العلم، وهي فرع لدار الحكمة التي أسست في القاهرة عام 1004م، وقد كانت موضع اهتمام ورعاية أيضا من جانب الفاطميين، ثم سيطر على المدينة الأتراك السلاجقة عام 1072م إلى حين وقوعها تحت الاحتلال الصليبي عام 1099م
>[4] .
القدس والصليبيون
خضعت القدس لسيطرة الصليبيين بعد معركة دامت أربعين يوما، وقتل من سكانها سبعون ألفا، وارتكب المحتلون الغزاة من الفظائع والمحرمات ما يقشعر لها الأبدان، وحولوا مسجد قبة الصخرة إلى كنيسة، كما اتخذوا جانبا من المسجد الأقصى كنيسة، والجانب الآخر مسكنا لفرسان الهيكل، وأضافوا إليه جناحا جديدا جعلوه مستودعا لأسلحتهم، واتخذوا السراديب الكائنة تحت المسجد إسطبلا لخيولهم، فضلا عن تشكيل فرق عسكرية لإفناء المسلمين، لكن المسلمين ظلوا بالرغم من كل ذلك محتفظين بلغتهم العربية ودينهم الإسلامي، إلى أن تمكن القائد صلاح الدين الأيوبي من دحر الصليبيين، وتخليص الأقصى من سيطرتهم في معركة حطين الفاصلة عام 583هـ/1187م
>[5] .
[ ص: 55 ]
وكان أول عمل قام به أنه أزال ما قام به الصليبيون عن مسجدي الأقصى وقبة الصخرة، وأعاد للنصارى الشرقيين كنائسهم وممتلكاتهم، التي استولى عليها الصليبيون خلال فترة حكمهم، كما بنى سور المدينة، وبنى أيضا الخانقاه الصلاحية واتخذها مسجدا ورباطا للمسلمين، وبنى قبة يوسف على الطرف القبلي من فناء الصخرة وجامع الجبل على جبل الطور، فضلا عن عدد كبير من المدارس، كما نقل إلى المدينة عددا من القبائل العربية مثل بني غانم ، وبني مرة ، وبني حارث ، وبني سعـد ، وبني زيد ، والجرامنة ، وأقطع لكل واحدة منها جانبا من المدينة، وظلت القدس بيد المسلمين إلى أن دب الخلاف بين أحفاده من بعده حيث تم تسليم المدينة للصليبيين، وأعاد تحريرها أمير الكرك الناصر داود ، وامتدت إلى القدس الشرور والفتن حتى جاء المماليك وسيطروا عليها عام 1250م
>[6] .
القدس خلال العهد المملوكي
بقيت القدس خلال الفترة الواقعة بين1250-1516م خاضعة للمماليك الذين بنوا فيها المساجد والمدارس والأسواق والخانات، وحفظوا فلسطين من الخطر المغولي عندما تصدوا لهم في موقعة عين جالوت 1260م وانتصروا عليهم، لكن الضعف دب في أوصال الدولة المملوكية،
[ ص: 56 ] في الوقت الذي بدأ نجم العثمانيين في السطوع، واتجهوا بمعاركهم شرقا، في محاولة منهم لإبعاد الخطر الطائفي الباطني، والخطر البرتغالي، وخاضوا مع المماليك معركة مرج دابق عام 1516م شمالي حلب، لينتصروا فيها، وتصبح أبواب سورية والمشرق العربي مع مصر مفتوحة أمام العثمانيين، ولتخضع فلسطين والقدس للعثمانيين أربعة قرون كاملة
>[7] .
القدس خلال العهد العثماني
خلال هذه القرون الأربعة (1516-1916م) كانت القدس موضع اهتمام من قبل السلاطين العثمانيين، فقد جددوا سور المدينة، وعمروا أبوابها، وأجروا الصيانة لمسجدي قبة الصخرة والأقصى، وبنوا المساجد والمدارس فيها، ونظموا بلديتها وأسواقها، أما أهم ميزة تذكر للعثمانيين فهي أنهم حالوا دون هجرة اليهود إلى فلسطين طوال وجود الدولة العثمانية، حتى إذا انهارت الدولة توالت المصائب على الوطن العربي وتدفق اليهود على فلسطين من كل حدب وصوب برعاية بريطانيـا، التي أصبحت منتدبة على فلسطين بموجب صك الانتداب الصادر عن عصبة الأمم عام 1922م
>[8] .
[ ص: 57 ]