المطلب الثاني
مراحل إدارة الأزمة
تتطلب إدارة الأزمة خمس مراحل أساس هي:
1- اكتشاف إشارات الإنذار المبكر.
2- الاستعداد والوقاية والتخطيط قبل وقوع الأزمة.
3- احتواء الضرر إذا وقع، والحد منه.
4- استعادة النشاط.
5- التقييم والتعلم
>[1] .
المرحلة الأولى: اكتشاف إشارات الإنذار
تسبق الأزمـة عادة إشارات تحذيرية هي من النذر الإلهية، التي يخوف الله بها عباده، لعلهم يراجعون ما هم عليه من سلوك يؤدي للأزمة، فإن تمكنت إدارة المؤسسة من التقاط الإشارات مبكرا فإذا هذا يعطيها فرصة لتصويب الخلل.
وفكرة الإشارات مبنية على أساس فكرة وجود نسق منتظم يضم مجموعة عناصر، تقوم بينها علاقة تبادلية وتكاملية في وحدة متكاملة.
[ ص: 73 ] ويمكن تصوير المسألة بالعلاقة التكاملية في بعض الألعاب، فكل قطعة في اللعبة مرتبطة بقطعة، والقطع بمجموعها تكون شكلا ما، فكأن قواعد الإدارة الناجحة تكون شكلا يتركب من مجموعها إذا طبقت عمليا، وهو نجاح المؤسسة واستمرارها، وإذا حدث خلل في جزء ما من عناصر النظام ينعكس على بقية العناصر، وهذا الانعكاس هو في حقيقته محاولة لتصويب الخلل ولتحقيق حالة من الاستقرار
>[2] .
ولتبسيط المسألة نمثل بصحة الإنسان، ففي الوضع الطبيعي تكون درجة حرارة الجسم 37 مئوية، وإذا ارتفعت إلى 38 فهذا إشارة يرسلها الجسم تعبر عن وجود خلل ما.
والحرارة في الجسم هي أحد أجهزة المناعة، ومن شأنها أن تعطي إشارة للمريض، كما أن الجسـم يرفع درجـة حرارته في حال وجود ميكروب ما كوسيلة من وسائل القضاء على هذا الميكروب؛ إذ تموت الميكروبات على درجة حرارة مرتفعة.
وهذا الانتظام في الجسم الإنساني يعبر عنه بالنسق أو بالنظام System، ويفترض وجود نسق مثله في القوانين الطبيعية التي تحكم المجتمع والقوانين الشرعية التي تنظم أمر المجتمع، فإذا حدث خلل في العلاقات فإن الأزمة تعطي إشارات في محاولة لتصويب الوضع، فإن لم يتم التصويب وصل الأمر إلى حد الكارثة.
[ ص: 74 ]
وقد نبه الشاطبي إلى فكرة النسق بقوله: «تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق، وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام: أحدها أن تكون ضرورية، والثاني أن تكون حاجية، والثالث أن تكون تحسينية»، ثم قال: «المقاصد الضرورية في الشريعة أصل للحاجية والتحسينية»، وهو هنا يشير إلى العلاقة بين الأحكام.
ثم بين أن الخلل الذي يصيب الضروري يصيب الحاجي والتحسيني قطعا؛ لأن الحاجي والتحسيني للضروري بمثابة الصفة للموصوف، وأن فوات الحاجي بإطلاق قد يؤدي إلى فوات الضروري.
والشاطبي هنا يشير إلى ما يعرف في عـلم الاجتماع بنظرية «النسق» أو «النظام»، الذي يحكم العلاقات القانونية للأحكام التكليفية «فلو فرض اختلال الضروري بإطلاق لاختل الحاجي باختلاله بإطلاق، ولا يلزم من اختلالهما اختلال الضروري بإطلاق، نعم قد يلزم من اختلال التحسيني بإطلاق اختلال الحاجي بوجه ما، وقد يلزم من اختلال الحاجي بإطلاق اختلال الضروري بوجه ما، فلذلك إذا حوفظ على الضروري فينبغي المحافظة على الحاجي، وإذا حوفظ على الحاجي فينبغي أن يحافظ على التحسيني إذا ثبت أن التحسيني يخدم الحاجي وأن الحاجي يخدم الضروري»
>[3] . وبناء على نظرية الشـاطبـي فإن زوال التحسينـي يعبر
[ ص: 75 ] عن بوادر أزمـة، وزوال الضـروري هـو الكارثة، وعليه فمن المفترض أن الاجتمـاع الإنسـاني يخضع لمجموعـة قوانين تنظمه، فإذا حدث اختـلال فإنـها تعطي إشارات تحذيرية مبكرة هي من مظاهر الخلل الذي بدأ يظهر.
ويمكن أن يكون مصدر إشارات الإنذار محاولة فريق صناعة الأزمة اختراق النظام عن طريق التمويه والخداع، فيبدأ بخطوات غير واضحة إلا لمن تتبع الأحداث بعناية، ومثال ذلك التعديلات التشريعية، فهي في بعض الأحيان تتضمن إشارات إنذار لتغيير قادم؛ وفي محاولة لإدخال التعديل من غير لفت الأنظار هناك أساليب من الخداع والتمويه تستخدم، كأن يوضع التعديل القانوني في غير مظنته، كما حدث في المادة (61) من قانون أصول المحاكمات العثماني وبها فتح الباب للفائدة الربوية.
فهذه المادة لم توضع في مكانها المفترض في مجلة الأحكام العدلية، لأن وضعها هناك سيثير اعتراض لجنة العلماء العاملين في المجلة، ومن باب التورية والخداع وضعت في غير مظنتها.
ومن صور التمويه، التي يلجأ إليها بعضهم لتمرير استجابته لضغوط خارجية بإدخـال تعـديلات تشريعية من غـير إثارة رد فعل داخلي، أن لا تعرض مواد القانون المراد إقراره على البرلمان، وإنما يعرض قانون مواده مقبولة وينص في مادة منه على أن الاتفاقية الدولية كذا تعد جزءا لا يتجزأ من القانون، وتقرأ معـه، أو يتم إقرار الاتفاقية من خلال مجلس الوزراء
[ ص: 76 ] قانونا مؤقتا على أن تعرض على البرلمان في وقت لاحق، ثم يتم تأخير عرضها على البرلمان
>[4] .
أو يتم وضع المواد المراد تعديلها، ضمن قانون لا يثير انتباه الناس عادة وإقراره، ثم ينص على أن مواد القانون (ب) تقرأ مع القانون (أ).
وغالبا ما نجد هذه الأمور في مسائل الأحوال الشخصية، حيث نجد رؤية إسلامية في مقابل رؤية غير إسلامية تمثلها الاتفاقيات الدولية كاتفاقية الـ «سيداو»
>[5] ، وتجد الدول التي تريد تمرير الاتفاقية من غير إثارة رد فعل شعبية تلجأ إلى أساليب التمويه المشار إليها، كأن تنص على أن الاتفاقية ملحقة بقانون كذا دون ذكر المواد. ومما يعصم المجتمع من هذه الاختراقات القانونية أن تنص الدساتير الوطنية على أن المحكمة الشرعية هي المحكمة
[ ص: 77 ] المختصة للنظر في مسائل الأحوال الشخصية، كما ينبغي أن ينص في الدستور على أن القانون الواجب التطبيق هو القانون المستمد من الشرع الحنيف، وتعد هذه الخطوة تحصينا تشريعيا من نقاط ضعف يمكن من خلالها أن تلج الأزمة للنظام التشريعي والقضائي؛ ذلك أن الأصل من وضع التشريعات أن تكون أداة تغيير في المجتمع، ومانعة صدام فيه، ومثل هذه التشريعات المفروضة بإرادة خارجية لا تحقق وظائفها المرجوة، فهي ليست أداة تغيير، لعدم وجود قبول شرعي لها، كما أنها ليست مانعة تصادم بل هي من أسباب التصادم في المجتمع.