- المطلب الأول: الأسهم الوقفية:
اقترحت هذه الطريقة، وهي فكرة إصدار أسهم وقفية وطرحها للاكتتاب العام، من قبل بعض من الباحثين المعاصرين. فطرحها الدكتور (منذر قحف) كوسيلـة تمويـل لأموال قائمة، وتناولها الدكتور (محمد عبد الحليم عمر) كوسيلـة لإنشاء أوقاف جديدة، وكذلك طرحها الدكتور (عبد الله العمار) .
يقصد المساهم من شراء الأسهم الوقفية: الاشتراك في وقف الأسهم في مشروع وقفي معين. أما معالم فكرة وقف الأسهم عن طريق الاكتتاب العام فتتجلى في الآتي
>[1] :
1- أن تتبنى جهة أو مؤسسة خيرية أو إدارة حكومية، كوزارة الأوقاف، أو حتى فرد معين فكرة إنشاء مشروع وقفي خيري خاص أو عام يخدم المجتمع بأي نوع من الخدمات الخيرية، كما تم ذكره في الصناديق، أو المشاريع الوقفية، أو مشروع اسـتثماري يصرف ريعه في وجوه البر، معينة أو عامة.
2- دراسة هذا المشروع أو ذاك دراسة وافية بالتخطيط له وتقدير تكلفته، ومن ثم تحديد رأس المال اللازم لهذا المشروع الوقفي، وأخذ الأذن اللازم لإقامته من جهة الاختصاص.
[ ص: 126 ] 3- إصدار أسهم وقفية على غرار الأسهم في الشركات المساهمة وعلى غرار صكوك الاستثمار، يوزع عليها رأس المال، لتصبح هذه الأسهم ذات قيم اسمية متساوية.
4- يعرف عامة الناس بهذا المشروع عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، وعن طريق إصدار نشرة اكتتاب تعرف الناس بالمشروع وأهدافه وطبيعته، ومصرفه، وطريقة إدارته، وطريقة الاكتتاب فيه، وتحديد الجهة المعنية لتلقي طلبات الاكتتاب من العامة... إلخ.
5- تبدأ الجهة المعنية باستقبال المساهمات العامة، وتعطي المساهمين إيصالات بقدر أسهمهم.
6- يدعى بعد ذلك جميع المساهمين لاجتماع تأسيسي لتكوين مجلس إدارة، وتعيين مدير عام لهذا المشروع الوقفي عن طريق الاختيار (الانتخاب) . وينتخـب من يلزم للقيـام بمهام هذا المجلس، كنائب للمدير أو الرئيس، وأمينا للمجلس، وممثلا ماليا... الخ.
ومن ثم يتولى مجلس الإدارة ورئيسه مهمة إقامة المشروع واستثماره، وتوزيع غلته في مصارفه المحدودة، بالوكالة عن المساهمين.
وعلى هذا فالعلاقة بين المساهمين ومجلس الإدارة علاقة وكالة، كونه وقفا خيريا، إلا أنه يمكن أن تنشأ علاقة مضاربة بين ناظر الوقف الذي هو رئيس مجلس الإدارة وبين مؤسسة أو شخص لاستثمار الوقف أو جانب منه، إذا كان من النوع الاستثماري الذي يقصد ريعه لتوزيعه في مصارف الوقف.
[ ص: 127 ] 7- وبعد الانتهاء من تنفيذ مشروع الوقف يبدأ في الانتفاع به في مصارفه المحددة.
فإن كان المشروع للانتفاع المباشر، فتح للمستحقين، وإن كان بالاستثمار في إجارة أو غيرها استثمر على حسب ما حدد في نشرة الإصدار إما عن طريق مجلس الإدارة، أو عن طريق إرجاع العائد إلى المساهم، على حسب أسهمه، ليوزعه في مصارفه.
- أسباب ودوافع مثل هذه المشروعات الوقفية
>[2] :
بعد النظر فيما كتب وطرح حول أصل هذه الفكرة، وبعد الدراسة والتأمل تتبين أهميتها وشدة الحاجة إليها، ولا سيما في هذا العصر، لما يأتي:
1- اختلاف أنماط الحياة في هذا العصر، وتنوع الخدمات التي يحتاجها المجتمع، مما يستدعي التفكير في مشروعات وقفية تفي بهذه الخدمات المتنوعة.
2- إن غالب الناس في المجتمعات المختلفة يعيشون حياة اقتصادية متوسطة أو دون المتوسطة، بحيث لا يستطيعون الإسهام في الأوقاف مع أهميتها في المجتمع، ومع ما ترتب عليها من الفضائل، وفتح المجال لعامة الناس، وغالبيتهم ممن ذكر، للمساهمة في مشروعات وقفية نافعة ولو بجزء يسير عن طريق المساهمة بما يستطيعون، يفتح المجال لشريحة كبيرة جدا في المجتمع للإسهام في هذه المشروعات.
[ ص: 128 ] 3- إن تبني مشـروعات وقفية وطرحها لعامة الناس للاكتتاب يفتح الآفاق لإقامة مشـروعات وقفية كبيرة تسـهم إسهاما فاعلا في سد حاجات المجتمع المختلفة.
4- في هذه المشروعات وأمثالها إحياء لسنة الوقف بأساليب معاصرة يتقبلها الناس ويستطيعون الإسهام فيها.
5- إن الدول بدأت تفتح المجال للقطاعات الخاصة للإسهام في الكثير من مجالات الخدمات المختلفة كالكهرباء والاتصالات، والتعليم والصحة.... وحيث إن القطاع الخاص - في الغالب - يبحث عن الربح والاستثمار، وليس كل فئات المجتمع يستطيع دفع رسوم هذه الخدمات إذا أسندت للقطاع الخاص، ففتـح المجـال لإنشاء مشروعات وقفية عن طريق الاكتتاب الميسـر لكل واحـد، يسهل القيام بهـذه الخدمات أو ببعضها لغير المستطيع.
6- تنظيم التبرعات الصغيرة المختلفة، التي يمكن من خلالها إنشاء مشروعـات ذات جـدوى كبيرة في المجتمع، لها أثره الواضح في مجالات البر المختلفة.
7- إن إقامة هذه المشروعات على النحو المطروح أبعد عن تلاعب المتلاعبين بالأوقاف، الباحثين عن مصالحهم الشخصية؛ لأنه عن طريق إقامة هذه المشروعات الوقفية تسند النظارة على الوقف إلى مجلس يختار من المساهمين، ولاشك أن النظرة الجماعية ليست كالفردية.
[ ص: 129 ] - كيفية إصدار الأسهم:
يمكن أن يتولى مهمة إصدار الأسهم الوقفية واحد من هؤلاء:
1- جهة حكومية، كوزارة الشؤون الإسلامية، أو وزارة الأوقاف.
2- جهة خاصة، كمؤسسة أهلية، أو جمعية خيرية.
3- فرد، بحيث يدرس شخص ما فكرة إنشاء مشروع وقفي على النحو السابق، ويخطط له ويدعو للاكتتاب فيه، ثم يدعو المساهمين إلى اجتمـاع لتوكيلـه أو توكيل غيره للقيـام بتنفيذ المشروع والنظارة عليه، أو تكوين مجلس إدارة للقيام بذلك.
- حكم وقف الأسهم عن طريق الاكتتاب:
يرى الباحث جواز وقف الأسهم عن طريق الاكتتاب العام لما يأتي:
1- إن المساهمة في المشروع الوقفي عن طريق الاكتتاب العام مشاركة في وقف معين، وقد سبق ذكر أنه يجوز وقف الجزء المشاع في عين مشتركة، ومنه يعرف جواز مبدأ «المشاركة في الوقف»، بحيث يتعدد الواقفون لوقف واحد.
2- إنه يجوز وقف الأسهم في الشركات المساهمة المباحة بناء على جواز وقف الأسهم الشائعة في العين المشتركة، لما سبق عرضه من شروط صحة الوقف الراجعة إلى الموقوف، وإنها تنطبق على الأسهم في الشركات المساهمة، فيجوز وقف الأسهم ابتداء عن طريق الاكتتاب من باب أولى.
3- ما سبقت الإشارة إليه من الأسباب والدوافع إلى إنشاء مشروعات وقفية عن طريق الاكتتاب في الأسهم، وما يؤدي إليه هذا الأسلوب من فتح
[ ص: 130 ] مجالات جديدة معاصرة للوقف، وأن ذلك طريق لإنشاء مشروعات وقفية كبيرة تسهم في خدمات جليلة متنوعة للمجتمع، قد لا يستطيع الأفراد إنشاء أوقاف مماثلة لها.
4- ما يترتب على جواز هذا النوع من الأوقاف من فتح المجال إمام ذوي الدخل المحدود أن يسهموا في الأوقاف ولو بقليل.