- المطلب الأول: الإطار التنظيمي للصناديق الوقفية:
لكي يتم التمكن من التوصل إلى الحكم الفقهي للصناديق الوقفية، لابد من التطرق ابتداء إلى تعريفها ومن ثم التعريج على الإطار التنظيمي، ومن ثم أهدافها، وبعدها سيتم تناول الأشكال المتاحة لإدارة هذه الصناديق.
أولا: مفهوم الصناديق الوقفية:
عرفت الأمانة العامة للأوقاف في دولة الكويت، أول دولة عربية باشرت هذا المشروع، «الصناديق الوقفية»، بأنها: الإطار الأوسع لممارسة العمل الوقفي، ومن خلالها يتمثل تعاون الجهات الشعبية مع المؤسسات الرسمية في سبيل تحقيق أهداف التنمية الوقفية.. ويلاحظ على هذا التعريف أنه تناول الصناديق الوقفية، من حيث الغاية من إنشائها والمتمثلة في الإطار
[ ص: 138 ] الأوسع لنشر العمل الوقفي، ومن خلال توسيع المشاركة بين القطاعات الجماهيرية والمؤسسات الحكومية، وختم التعريف بالغاية الأسمى لهذه الصناديق وهو تحقيق أهداف التنمية الوقفية
>[1] .
ويؤخذ على هذا التعريف أنه لم يتطرق إلى الطريقة المكونة لإنشاء هذه الصناديق ولا إلى الكيفية التي تتم بها إدارة الصندوق.
أما الدكتور محمد الزحيلي، فقد عرف الصناديق الوقفية بأنها عبارة عن تجميع أموال نقدية من عدد من الأشخاص عن طريق التبرع والأسهم، لاستثمار هذه الأموال، ثم إنفاقها أو إنفاق ريعها وغلتها على مصلحة عامة تحقق النفع للأفراد والمجتمع، بهدف إحياء سنة الوقف وتحقيق أهدافه الخيرية التي تعود على الأمة والمجتمع والأفراد بالنفع العام والخاص، وتكوين إدارة لهذا الصندوق تعمل على رعايته، والحفاظ عليه، والإشراف على استثمار الأصول، وتوزيع الأرباح بحسب الخطة المرسومة
>[2] .
ويلاحظ على هذا التعريف أنه يهدف إلى تحقيق النفع العام، وذلك عن طريق التبرع، والنفع الخاص وذلك عن طريق الأسهم، لتحقيق هدف أسمى وهو إحياء سنة الوقف وتحقيق النفع العام.
[ ص: 139 ] أشار التعريف أيضا إلى ضرورة إنشاء إدارة للصندوق تعمل على رعايته وتحافظ على أصوله وتسعى إلى تنميتها عن طريق استثمارها، وتسعى إلى توزيع الأرباح عن طريق خطة مرسومة. وهو ما يميل إليه الباحث كونه جامعا مانعا، تجاوز سلبيات التعاريف السابقة.
ثانيا: إدارة الصناديق الوقفية:
حسب موقع الأمانة العامة للأوقاف في الكويت، فإن إدارة كل صندوق تتم عن طريق مجلس إدارة يتكون من عدد من العناصر الشعبية يختارهم رئيس مجلس شؤون الأوقاف، ويجوز إضافة ممثلين لبعض الجهات الحكومية المهتمة بمجالات عمل الصندوق، وتكون مدة المجلس سنتين قابلة للتجديد، ويختار المجلس رئيسا له ونائبا للرئيس من بين الأعضاء، كما يعاون مجلس الإدارة مدير الصندوق يعينه الأمين العام للأوقاف من بين موظفي الأمانة العامة (أو من غيرهم) ، ويعتبر بحكم وظيفته عضوا في مجلس الإدارة، ويتولى أمانة سر المجلس، كما يجوز وجود مساعد للمدير أو أكثر بحسب حاجة العمل
>[3] .
تتمثل واجبات مجلس الإدارة في الإشراف على الصندوق وإقرار سياسته وخططه وبرامجه التنفيذية، والعمل على تحقيق أهدافه في نطاق أحكام الوقف، والأنظمة المرعية، والقواعد المتبعة في إنشاء الصندوق.
[ ص: 140 ] ولإدارة الصندوق علاقات تتمثل بالآتي:
1- العلاقة مع الأمانة العامة للأوقاف
>[4] :
الأمانة العامة للأوقاف هي الجهة الرسمية المسؤولة عن القطاع الوقفي في تلك الدولة والتي من خلالها يتم تقديم تسهيلات متنوعة للصناديق تساهم في رفع مستوى الأداء والتنسيق بينها، وتقلل التكاليف التشغيلية لبرامجها، حيث تتولى الأمانة العامة للأوقاف (الجهة المشرفة على الصندوق) بالترويج للصناديق الوقفية ومشروعاتها، وتعرف الجمهور بها، وتدعو للإيقاف (الوقف) على أغراضها، وتوفر المقار المناسبة لأعمالها، إضافة إلى تقديم دعم مالي من مواردها.
وتقدم الأمانة للصناديق الاستشارات الشرعية والقانونية والخدمات المالية والفنية والإعلامية للصناديق الوقفية، كما تقوم بمتابعة أجهزة الصناديق الوقفية والرقابة عليها.
2- العلاقة مع الجهات الحكومية:
تلتزم الصناديق الوقفية بالعمل وفقا للنظم الرسمية المقررة في تعاونها مع الأجهزة الحكومية، حيث يمكن أن تتعاون معها في إنشاء مشروعات مشتركة؛ ويشارك في مجالس إدارة جميع الصناديق الوقفية ممثلون عن الجهات الحكومية ذات العلاقة.
[ ص: 141 ] 3- العلاقة مع جمعيات النفع العام:
تتعاون الصناديق الوقفية مع جمعيات النفع العام ذات الأهداف المماثلة، وذلك من خلال مشروعات مشتركة، والتنسيق معها، وعدم الدخول معها في منافسة، ولذلك يشارك ممثلو العديد من جمعيات النفع العام في عضوية مجالس إدارة عدد من الصناديق الوقفية.
4- علاقات الصناديق بعضها ببعض:
هناك التزام بعدم التدخل أو التضارب بين الصناديق، والتعاون بينها في المشروعات والتنسيق بين أعمالها، ولهذا فقد نصت المادة (18) من النظام العام للصناديق الوقفية في دولة الكويت، على أن تشكل –في نطاق الأمانة العامة- لجنة يشترك في عضويتها مديرو الصناديق للتنسيق بين الصناديق وتبادل الخبرات ودراسة الظواهر والمشكلات واقتراح الحلول المناسبة لها.
إن الانتفاع بفكرة الصناديق الوقفية يحتاج إلى وجود الهيكل التنظيمي القادر على حماية الأوقاف النقدية، وأحكام الرقابة عليها وتنظيم عمل نظار الوقف واستيعاب المستجدات الحديثة في الإدارة والقانون لتحقيق هذا الغرض، لذا ينبغي توفر الصفات الآتية في الهيكل التنظيمي
>[5] :
أ- وجود نظام يسمح بتسجيل صناديق الوقف:
تحتاج صناديق الوقف إلى نظام خاص بها يبين طرق تسجيلها والهيكل الإداري المطلوب لهذا التسجيل وتوثيق جهة الانتفاع بها، وتحديد المتطلبات
[ ص: 142 ] النظامية لأغراض الرقابة، ويجب أن يتضمن النظام نصوصا تتعلق بتحديد جهة التسجيل، وجهة الرقابة وكيف يتكون مجلس إدارة الوقف وطريقة الاختيار لأعضائه والميزانيات السنوية وتدقيق المحاسبين والمراجعة ... الخ.
ب- وجود نظام للنظارة على الوقف:
إن صناديق الوقف تحتاج إلى ولاية شخصية اعتبارية، كالمؤسسات المالية ونحوها، تسمـح لهـا بالاستمرار والاستقـرار. وقـد تقبل الفقـهاء المعاصرون الشخصية الاعتبارية المتمثلة في الشركات المساهمة وغيرها، وأضـفوا عليها الأهلية للتصرف بما يشـبه الشـخصية الطبيعية؛ ويمكن أن تنشأ هذه الشخصية الاعتبارية لغرض إدارة الوقف والنظارة له، وتختص بذلك، وربما جعلت النظارة لأحد البنوك الذي يتولى استثمار الأموال وتوجيـه الريع إلى جهـة الانتفاع؛ ويحتاج ذلك إلى نظام خاص يصدر لهذا الغرض.
ج- تطوير طرق الرقابة على الوقف:
تحتاج الصناديق الوقفية إلى أحكام الرقابة على عمل هذا النوع من الأوقاف وإنشاء جهة مركزية مهمتها الأساسية الرقابة الصارمة على هذه الصناديق؛ فالصناديق الوقفية هي مؤسسات مالية تشبه المصارف وشركات المال وهي تحتاج في نظام الرقابة عليها هيكلا شبيها بالمصرف المركزي الذي يشرف على القطاع المصرفي.
[ ص: 143 ] ثالثا: الأهداف والنتائج المرجوة من الصناديق الوقفية
>[6] :
مع تنامي احتياجات المجتمع، ومع انحسار دور الدولة في تلبية حاجات المجتمع في وقتنا الحالي، ينبغي البحث عن مصادر جديدة وبدائل حديثة لسد النقص الحاصل من ذلك الانحسار، من هنا جاءت فكرة الصناديق الوقفية، التي تهدف إلى دعوة المسلمين عامة، وأصحاب الخير والأثرياء خاصة، ورجال الأعمال، إلى المساهمة في وقف أموالهم بالتبرع والتصدق بمبالغ نقدية مهما بلغ مقدارها، للحصول على رأس مال يوجه نحو سد حاجة تحقق مصالح المسلمين، مما لا يستطيع فرد محدد ويعجز كاهل الدولة عن القيام بها، فتجمع الأموال النقدية عن طريق الأسهم، لتكوين رأس المال الكافي لتلبية وسد تلك الحاجة.
فالهدف من الصناديق الوقفية هو المشـاركة في الجهود التي تخدم أحياء سـنة الوقف عن طريق مشـروعات تنموية في صيغ إسـلامية تلبي احتياجات المجتمع المعاصر، وطلب الإيقـاف عليها، والعمل على إنفـاق ريع الأموال الموقـوفة لتلبية الاحـتياجات الاجـتماعية والتنموية التي يحتاجها المجتمع من خلال برامج عمل تراعي تحقيق أعلى عائد تنموي، وتحقق الترابط بين المشـروعات الوقفية، والتكامل بين الصـناديق الوقفية،
[ ص: 144 ] وتتجمع كلها لتعضـد المشـروعات الأخرى التي تقوم بها الأجهزة الحكومية وجمعيات النفع العام.
ويمكن إيجاز الأهداف التي تسعى الصناديق الوقفية لتحقيقها، في الآتي:
1- إحياء سنة الوقف، بتجديد الدعوة إليه من خلال مشاريع ذات أبعاد تنموية تكون قريبة من نفوس الناس، وقادرة على تلبية رغباتهم وحاجاتهم.
2- تجديد الدور التنموي للوقف، في إطار تنظيمي يحقق التكامل بين مشاريع الوقف، ويراعي الأوليات وينسق بينها.
3- تطوير العمل الخيري، من خلال نماذج جديدة يحتذى بها.
4- تلبية حاجات المجتمع، في المجالات غير المدعومة بالشكل المناسب.
5- تكوين المشـاركة الشعبيـة في الدعـوة إلى الوقف وإنشائه وإدارة مشاريعه.
6- منح العمل الوقفي مرونة، من خلال مجموعة قواعد تحقق الانضباط، وتضمن في الوقت ذاته تدفق العمل وانسيابه.
7- تلبية رغبات الناس المختلفة في توجيه تبرعاتهم، والسعي لتأمين الصناديق وتطويرها وتنميتها، ليتم إنفاق ريع كل صندوق على غرضه المحدد، مع توفير الترابط الممكن فيما بينها، وبين المشروعات المماثلة التي تقوم بها الأجهزة الحكومية وجمعيات النفع العام وسائر المؤسسات الأخرى.
8- تهيئة الفرص لجمهور المسلمين للوقف، حيث إن السواد الأعظم من أفراد المجتمع الإسلامي المعاصر من الموظفين ومن صغار التجار لا يتوافر
[ ص: 145 ] عندهم الأموال الكثيرة والثروة التي تمكنهم من إنشاء الأوقاف المستقلة مثل المدارس وغيرها، إلا أنهم يتمتعون بمستوى جيد من المعيشة، ودخول منتظمة، يمكنهم ادخار نسبة من دخولهم الشهرية؛ وهم كسائر المسلمين في كل عصر ومصر يحبون فعل الخيرات، فلابد أن يستوعبهم الوقف بطريقة تتيح لهم من جهة إمكانية المساهمة بمبالغ قليلة تتجمع لتصبح كبيرة مؤثرة، ومن جهة أخرى أن يساهموا مساهمات مستمرة عبر الزمن ومنتظمة كانتظام دخولهم من وظائفهم وأعمالهم.
9- إحكام الرقابة على الأوقاف؛ إن صيغة الصناديق الوقفية تمكن من إحكام الرقابة الشعبية والحكومية على الأوقاف، ذلك أن سبل المراجعة المحاسبية وطرائق الضبط في الأعمال المالية والمصرفية قد تطورت تطورا عظيما في الزمن الحديث مما يمكن أن يستفاد منه من هذه الناحية.
ويبرز دور الأوقاف في الوقت الراهن للإسهام في مواجهة المشكلات الاجتماعية المتكاثرة، والمشاركة في جهود التنمية من خلال التسلح بالإدارات ذات الكفاءة الحديثة وتحسين علاقتها مع الدولة. فالوقف يمثل مصدر قوة مزدوجة لكل من المجتمع والدولة، فمن خلال توفير المؤسسات والأنشطة الأهلية -التي ظهرت بطريقة تلقائية- تم تلبية العديد من الحاجات المحلية، العامة والخاصة، فأصبحت مصدر قوة للمجتمع
>[7] .
[ ص: 146 ]