1- اختلال التركيبة الاجتماعية للسكان:
وهذا الاختلال لا يقتصر على المدينة فحسب بل يمتد كذلك إلى الأرياف والبوادي المحيطة بالمدينة، والمقصود به زيادة الذكور في المدن وقلتهم في الريف، والعكس بالنسبة للنساء، حيث تزيد نسبة النساء في الأرياف والبوادي وتقل نسبتهم في المدن نتيجة أن الهجرة غالبا ما تكون من قبل الذكور، وذلك لطبيعة المجتمع المسلم في الخليج العربي حيث لا يمكن سفر المرأة أو استقرارها في المدينة بدون محرم شرعي لها، بخلاف الرجل الذي قد يكون أكثر حرية في التنقل، كما أن أعمار من ينتقلون إلى المدينة من الأرياف والبـوادي غـالبا ما تتراوح بين (15-35) حيث يفـدون إما للدراسة أو العمل، وهذا السن هو سن الفتوة والزواج مما يولد مشكلات أخرى تتعلق بتزايد مشكلة العنوسة بين النساء في غير المدن، إضافة إلى انتشـار بعض الأنواع من الجـرائم المرتبطـة بهذا العمر في المدينة نتيجـة لطغيان هـذه الفئـة العمرية والجنسية على التركيبة السكانية لمجتمع المدينـة، كما يلاحظ ارتفاع سن الزواج بين الذكور والإناث في المـدن أكثر منه في الريف، وهذه ظاهرة يسـتتبعها العـديد من المشاكل الاجتماعية الأخرى، بخاصة في ظل الإغراءات التي يجدها الشـاب بين يديه في المدينة مما قد ينتج عنها نوعا من الانحراف في ظل تأخر سن الزواج.
[ ص: 68 ] وعلى الرغم من أن الأسرة، أو العائلة، تمثل الوحدة الاجتماعية الأساسية في الريف والحضر، وعلى الرغم مما طرأ على أدوارها من تغيرات، وإن بدت هذه التغيرات أسرع في الحضر عنها في الريف، إلا أن الأسرة الحضرية في المدينة تتصف بالصغر والنووية مقابل الأسرة الممتدة في غير المناطق الحضرية، كما أن حجم الأسـرة في الريف أكبر منـه في الحضر، وما يزال هناك وجود ملموس للأسرة التقليدية أو ما يسمى بالأسرة الممتدة أو التي تقوم على علاقات القرابة رغم عدم السكن في مسكن واحد في الريف أكثر مما في المدينة
>[1] .
ولاشك أن في ذلك أثرا كبيرا على عملية الضبط الاجتماعي بشكل عام ومراعاة الوضع الأسري وأثره على تصرفات الفرد في الريف أو في المدينة. «فالعائلة الممتدة ذات بناء أكثر فاعلية للحفاظ على تقاليد العائلة، والأطفال يتعرضون إلى شبكة كبيرة من علاقات القرابة، فالأقارب جاهزون في الحال لمساعدة الوالدين في مهام التنشئة الاجتماعية، كما يقومون بدور القدوة لمختلف أنواع الأدوار التي يقوم بها الكبار، وفي أوقات الأزمات مثل موت الوالد - أو هجرته إلى المدينة – فإن قريبا آخر يمكن أن يحل محل الوالد في تلبية الحاجات الجسميـة والوجدانية للطفل»
>[2] . وهذه التلبية وإن
[ ص: 69 ] لم تكن بشكل كامل إلا أنه سيجد شيئا من التعويض، بخلاف الطفل إذا كان في أسرة نووية في المدينة، وذلك بطبيعة الحال بشكل عام.
إن ما سبق ذكره يتناول الآثار على سكان المدينة نفسها بعد هجرتهم من القرية إلى المدينة، ولكن يجب أن نتذكر أن هناك عددا من المشكلات المترتبة على سكان القرية أو الأرياف نفسها بعد هجرة ولي الأمر إلى المدينة، فتغير التركيبة السكانية في العائلة الريفية يؤدي إلى إعادة توزيع الأدوار داخل الأسرة وتحمل النساء والشيوخ أعباء إضافية كان المهـاجر يقوم بها، مما يزيد من معاناة النساء، ويجعلهن يعشن بعدا عاطفيا ونفسيا عن أزواجهن، وكذلك الأبناء حيث يعانون من فقـدان ضابطهم الاجتماعي في الأسرة، وداعمهم النفسي والاجتماعي في الأسرة. لذلك «فإن شعور الأسرة بغياب كبارها وكاسبيها قد يقلل من إمكانات الضبط الأسري للصغار والرعاية الصحيـة والاجتمـاعية لأفراد الأسرة، مما يحدث إشـكالات أخـرى ترتبط بجنوح الأحـداث والانحـرافات التي يتعرض لها الشباب حين غياب موجهيهم من الكبار»
>[3] . وهذا أثر من آثار التوسع في المدينة وإن لم يكن على سكان المدينة نفسها، ولكن يبقى الأثر في عموم المجتمع وعليه.
[ ص: 70 ] والحديث السابق بطبيعة الحال يتركز فيما إذا كانت الهجرة داخلية، أي من القرية والريف إلى المدينة، ولكن يجب ألا ننسى مشكلة أخرى وهي ظاهرة الهجرة من خارج الدولة إلى داخلها من جنسيات مختلفة تتحول إلى أقلية مع مرور الوقت، فليس بخاف أن هناك عددا من الأقليات أصبحت موجودة في بعض المدن الخليجية جراء الهجرة الخارجية، وفي بعض الدراسات تقدر نسبة الزيادة من هذه الهجرة الخارجية بحوالي (5.4 %) من نسبة السكان الأصليين، وذلك في الفترة من (1985-1995م) ، وهذا النمو السكاني المرتفع العشوائي الناتج عن الهجرة الخارجية قادر على إحداث هزة ديموغرافية قوية سوف لن تتمكن الدول الخليجية من تصحيحها لفترات طويلة خاصة إذا ما علمنا أن الزيادة السنوية للمواطنين لا تبلغ سوى (3%) مقابل (5.4 %) من غير المواطنين لنفس الفترة، وهذا يشكل تهديدا خطيرا للدولة على الصعيد الديموغرافي، وسيصحب معه نتائج اقتصادية وثقافية غير مرغوبة كالتحكم في الأنشطة الاقتصادية وممارسة الاحتكار في السوق، إضافة إلى أنهم سيشكلون الأغلبية المطلقة وسيمكنهم من فرض ثقافتهم بكل سهولة
>[4] .
[ ص: 71 ] إن مما يؤكد خطورة هذا الأمر، ما أعلنه المكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل ووزراء الشؤون الاجتماعية بدول مجلس التعاون من خلال الدراسة التحليلية التي قدمها عن أحكام (الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم) الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة عام (1990م) ودخلت حيز التطبيق عام (2003م) ، حيث حذرت الدراسة من أن المرحلة المقبلة قد تحمل الكثير من المفاجآت مثل المطالبة بحرية العبادة الجماعية العلنية لأي معتقد، وحرية تعلم اللغة الأصلية ضمن المناهج الدراسة الاعتيادية، وحرية بناء المعابد ومراكز دينية، وحرية إقامة جمعيات وتجمعات ثقافية مختلفة المشارب للمهاجرين، وكل ذلك بحماية من ( الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم) المشار إليها آنفا. وتؤكد الدراسة أن دول المجلس قد تتعرض بسبب الخلل في تركيبتها السكانية إلى أخطار سياسية وأمنية واجتماعية إذا ما التزمت التزاما كليا بما تقرره تلك الاتفاقية. وتلمح الدراسة إلى ضرورة عدم تصديق الـدول الخليجية عليها أو الانضمام إليها، لما تحمله في طياتها من خطر حقيقي من مختلف الجوانب الأمنية والاجتماعية والاقتصادية
>[5] .
[ ص: 72 ]