1- طبيعة التركيبة (الآدمية) توجب النقد الذاتي:
يمتاز الإنسان في خلقته الفطرية بطبائع تجعله مليئا بالعيوب وأوجه الضعف والقصور، مما يوجب عليه تفعيل النقد الذاتي بالالتفات إلى عيوبه وتقبل نقد الآخرين لها، ومنها:
أ- النسيان وضعف الذاكرة:
قال تعالى عن آدم، عليه السلام:
( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما ) (طه:115) . فقد عهد الله إلى آدم بعدم الأكل من الشجرة، لكن آدم نسي وضعفت عزيمته، فاستغل الشيطان هذا النسيان والضعف، وأضاف عبئا على جهاز المناعة الفكري عند آدم، من خلال
[ ص: 133 ] الوسوسة، مما مكنه من حفر ثقب في هذا الجدار، والنفاذ من خلاله إلى عقل آدم وقلبه، فارتكب آدم، عليه السلام، المعصية، وهي الأكل من الشجرة المحرمة!
إن هذه المعصية لم تؤد إلى تداعي جـدار المناعة الفكري عند آدم، وكان يمكن أن يقع ذلك، كما حدث مع إبليس عندما أمره الله بالسجود قبل ذلك لآدم فرفض، ثـم تداعى الجدار بصورة كاملة عندما أضاف إبليس إلى تلك المعصية التعلل بأقدار الله، حيث قال كما روى عنه القرآن:
( قال رب بما أغويتني ) (الحجر:39) ، فنسب الغواية إلى الله، سبحانه وتعالى، أي أنه مال إلى المنهج التبريري الذي برأ نفسه وحمل العوامل الخارجية المسؤولة، وهي هنا الله سبحانه وتعالى أو القدر، أما آدم فقد شعر بحجم المسؤولية وبثقلها، وأعمل المنهج النقدي، متهما هو وزوجته حواء نفسيهما بالظلم والضعف، طالبين المغفرة والرحمة، كما قال تعالى:
( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) (الأعراف:23).
إن ميل إبليس إلى المنهج التبريري وانطلاق آدم من المنهج النقدي هو أحد الفروق الجوهرية بين معصية الطرفين، والتي مكنت آدم، عليه السلام، من التوبة واسـتئناف عملية الابتـلاء ومحاولة الوصول إلى شاطئ السلامة وبر الجنة، مع استحضار التوبة- وهي عملية من عمليات النقد الذاتي بمفهومه العريض- كسلاح في رحلته الشاقة لمخر عباب الحياة. لكن المنهج التبريري لإبليس وعدم التوبة أوصلاه إلى لعنة الله وغضبه، حيث استمرأ المعصية وأصر على السير في ذات الدرب دون مراجعة للذات.
[ ص: 134 ] ب- الفجور والجدل:
تتسم الطبيعة الإنسانية بوجود الفجور والجدل في تكوينها الأولي، قال تعالى:
( فألهمها فجورها وتقواها ) (الشمس:8)؛ والفجور بحاجة إلى تزكية ولجم، وهذا لا يمكن أن يتم دون نقد ذاتي وإنصاف للآخرين، ولذلك جاء في الآية التالية:
( قد أفلح من زكاها *
وقد خاب من دساها ) (الشمس:9-10) ، وهي عملية مستمرة لأن النفس البشرية أمارة بالسوء ومجبولة على حب الغرائز والشهـوات، حريصة على نيلها من أي طريق، ولو كان طريق الفجور، حيث الطغيان على حقوق الآخرين وعدم المبالاة باليوم الآخر، قال تعالى:
( بل يريد الإنسان ليفجر أمامه *
يسأل أيان يوم القيامة ) (القيامة:5-6).
ولتبرير هذا الفجور فإن الإنسان متسلح بالجدل:
( وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ) (الكهف:54).
ولتزكية النفس من الفجور، وتشذيب الجدل من الباطل، لابد من النقد الذاتي.
ج- الطغيان والعجلة:
يمتلك الإنسان استعدادات الطغيان إذا وصل إلى مرحلة الاستغناء عن الآخرين:
( كلا إن الإنسان ليطغى *
أن رآه استغنى ) (العلق:6-7) ،
( ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا ) (الإسراء:11 )،
[ ص: 135 ] ( خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون ) (الأنبياء:37 )، ومن أجل تهـذيب الطغيان، وكبح جماح العجلة لابد من مراجعة النفس مرارا ومحاسبتها، ونقدها ومجاهدتها بصورة مستمرة، وهذا كله من جوهر النقد الذاتي.
د- الجحود والكنود:
في تكوين الطبيعة البشرية المزدوجة يوجد نصيب للجحود وللكنود، قال تعالى:
( إن الإنسان لربه لكنود *
وإنه على ذلك لشهيد *
وإنه لحب الخير لشديد ) (العاديات:6-8) ، وهذا يقتضي من الإنسان لجم نفسه ومجاهدتها ومراجعتها .
هـ- الطمع والجزع:
تتسم الطبيعة البشرية بحب المال، كما في نهاية الآية السابقة، وبالخوف على نفسها، ومن ثم فإنها إذا تركت على سجيتها، فإنها ستبخل على المحتاجين للعون المادي والمعنوي، متعللة بمصلحتها، ومتخوفة من الفقر والهلاك، قال تعالى:
( إن الإنسان خلق هلوعا *
إذا مسه الشر جزوعا *
وإذا مسه الخير منوعا ) (المعارج:19-21)، ولا يمكن للإنسان أن يتحرر من هذه الطبائع ما لم يلتزم بمنهج التزكية الإسلامي عموما. ويحتل النقد الذاتي بمسمياته المختلفة: المراقبة والمراجعة والمناصحة والمجاهدة والمحاسبة والتوبة والاستغفار، يحتل مكانا مهما جدا.
[ ص: 136 ]