4- أم عطية الأنصارية
>[1] :
أم عطية الأنصارية اسمها نسيبة بنت الحارث. وقيل: نسيبة بنت كعب
>[2] . وكانت من كبار نساء الصحابة، رضوان الله عليهم أجمعين. أسلمت مع السابقات من نساء الأنصار، وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم مع نسوة من الأنصار بيعتها المشهورة، وشهدت غسل ابنة النبي صلى الله عليه وسلم زينب. وكان جماعة من الصحابة وعلماء التابعين بالبصرة يأخذون عنها غسـل الميت. تعتبر من فقهاء الصحابة -كما يذكر الذهبي- وكانت تغزو كثيرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرض المرضى وتداوي الجرحى.
روت أم عطية عن النبي صلى الله عليه وسلم أربعين (40) حديثا، وهي تعد عاشر راوية من حيث الكثرة. روى عنها أنس بن مالك؛ ومحمد بن سـيرين؛ وأخته حفصة
[ ص: 154 ] بنت سـيرين؛ وأم شراحيل؛ وعلي بن الأقمر؛ وعبد الملك بن عمير؛ وإسماعيل ابن عبد الرحمن؛ وعاشت إلى حدود سنة سبعين. حديثها مخرج في الكتب الستة. اتفق البخاري ومسلم على ستة، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديث
>[3] .
لقـد كانت حريصـة على الالتزام بأوامر ونواهي الرسـول صلى الله عليه وسلم . فعن أم عطية قالت:
( أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع البيعة ألا ننوح، فما وفت منا امرأة إلا خمس: أم سليم، وأم العلاء، وابنة أبي سبرة امرأة معاذ أو ابنة أبي سبرة، وامرأة معاذ ) >[4] .
موقع أم عطية في الوسط النخبوي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم :
لقد كانت أم عطية فقيهة ومعلمة، تخرجت من مدرسة المصطفى صلى الله عليه وسلم . عن حفصة بنت سيرين قالت:
( كنا نمنع جوارينا أن يخرجن يوم العيد. فجاءت امرأة فنزلت قصر بني خلف فأتيتها، فحدثت أن زوج أختها غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة، فكانت أختها معه في ست غزوات. فقالت: فكنا نقوم على المرضى ونداوي الكلمى. فقالت: يا رسول الله، أعلى إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب، أن لا تخرج؟ فقال: لتلبسها صاحبتها من جلبابها فليشهدن الخير، ودعوة المؤمنين. قالت حفصة: فلما قدمت أم عطية، أتيتها فسألتها، أسمعت في كذا وكذا؟ قالت: نعم بأبي -وقلمـا ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم إلا قالت بأبي- قال: ليخرج العواتق ذوات الخدور. أو قال: العواتق [ ص: 155 ] وذوات الخدور -شك أيوب - والحيض. ويعتزل الحيض المصلى، وليشهدن الخير، ودعوة المؤمنين. قالت: فقلت لها: الحيض. قالت: نعم. أليس الحائض تشهد عرفات؟ وتشهد كذا؟ وتشهد كذا؟ ) >[5] .
جاء في شرح الحديث ما يلي: "قوله: عواتقنا، العواتق جمع عاتق وهي من بلغت الحلم أو قاربت أو استحقت التزويج... أو التي عتقت عن الامتهان في الخروج للخدمة. وكأنهم كانوا يمنعون العواتق من الخروج لما حدث بعد العصر الأول من الفساد، ولم تلاحظ الصحابية ذلك بل رأت استمرار الحكم على ما كان عليه في زمن النبـي صلى الله عليه وسلم ... وقوله: وكذا وكذا، أي ومزدلفة ومنى وغيرهما"
>[6] .
لم تر الصحابية الجليلة -كما يبدو في الرواية- في تعطيل حكم خروج العواتق لحضور صلاة العيد حلا لظاهرة الفساد والذي كان وراءه فساد وظيفة الشعراء الذين كانوا يمثلون إعلام ذلك العصر؛ لأن مبدأ سد الذريعة في هذا الموضع لا يضع نهاية مطلقة لحل هذه الظاهرة؛ بل يبحث في أبسط الحلول بدلا من أن يحاول اكتشاف الأسباب الحقيقية. ويبدو في الرواية أيضا أسلوب الإقناع الذي حاولت أن تقنـع به أم عطيـة صاحبتها التي لم تقف عند قول النبي صلى الله عليه وسلم بل احتجت بقولها آلحيض؟ ولم تنكر عليها أم عطية بل أقنعتها بحجة
[ ص: 156 ] أخرى، بدليل أن الحائض تشهد مزدلفة وغيرها. ويذكر الذهبي أن أم عطية اشتهرت بقولها "نهينا عن اتباع الجنازة ولم يعزم علينا"
>[7] .
ولم تكن أم عطية مهتمة بالمجال الفقهي فحسب، بل كانت تحرص على الخروج إلى الجهاد. عن أم عطية الأنصارية قالت:
( غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى ) >[8] . ومن بين تلك الغزوات غزوة خيبر.
وخلاصة القول: إن أم عطية رغم أنها عرفت بين الصحابة أنها كانت فقيهة إلا أن فقهها لم يصلنا، إلا ما اتصـل بروايتها لحـديث النبي صلى الله عليه وسلم . فكل ما وقفت عليه كما ورد في المصادر هو مسألة غسل الميت، وزيارة القبور ومسألة خروج شهود العواتق والحيض لصلاة العيد، ومسألة غزو النساء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومسألة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل من الهدية وليس من الصدقة. وللأسف هذا لا يفي الغرض لتقييم الفقه الذي كانت تحمله ولم يصلنا. يبقى أن القليل الذي وصل يفيد أن تأثيرها في الوسط النخبوي كان حاضرا، يكفي أنها لم تر تغيير الحكم بسبب فساد الزمان. وهذه قاعدة يمكن أن يبنى عليها تيار فكري يترتب عنه حياة أفضل لواقع المرأة المسلمة يحفظ لها كل المكتسبات التي حققتها من عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم كمن سبقها من الصحابيات اللآتي ذكرت ومن سأورده فيما بعد، فإن أم عطية نقلت من عـلم رسول الله صلى الله عليه وسلم (40) حديثا مما يثبت تأثيرها في الفكر الذي بني على الثروة السنية. ورغم أن المصادر تصفها بأنها كانت فقيهة وذات عقل، إلا أن ما جاد به عقلها لم يصلنا.
[ ص: 157 ]