5- فاطمة بنت قيس
>[1] :
فاطمة بنت قيس بن خالد بن وهب بن ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن سنان ابن محارب بن فهر الفهري أبو أنيس وأبو عبد الرحمن القرشية الفهرية، أخت الضحاك وكانت أسن منه. قال ابن عبد البر: كانت من المهاجرات الأول. كـانت تحت أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي فطلقها، فخطبها معاوية بن أبي سفيان وأبو جهم، فتزوجت بمشورة من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد انقضاء عدتها حيث نصحها بأسامة بن زيد بدل معاوية - الذي قال عنه أنه رجل فقير-، وأبي جهم -الذي قال عنه أنه رجل ضراب للنساء-. فاختارت أسامة رغم أنها لم تكن ترغب فيه، نتيجة تفضيل الرسول له على غيره، وطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وكانت ذات عقل وجمال، فهي إحدى الصحابيات العالمات والفقيهات. اجتمع أهل الشورى في بيتها بعد مقتل عـمر. عاشت إلى غاية ما بعد سنة خمسين للهجرة، وتوفيت في خلافة معاوية.
روت فاطمة بنت قيس أربعة وثلاثين حديثا. وهي الراوية الرابعة عشرة من حيث كثرة الرواية؛ لها حديث متفـق عـليه، ولمسـلم ثلاثة أحاديث. ولم تتحفنا المصادر بمشاركتها أو إسهاماتها العقلية. ويبدو أنها اهتم بها فقط بسبب ارتباطها بمسألة فقهية مشهورة، وهي النفقة للمطلقة طلاقا بائنا.
[ ص: 158 ] ووردت رواية لها تسأل فيها النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستحاضة
>[2] . ويظهر من خلال بعض الأدلة أنها كانت مهتمة بأمور المسلمين، وكانت تعي دورها في المجتمع. ويبدو كذلك أنها كانت فعلا ذات عقل.
يتجلى علم فاطمة بنت قيس بالقرآن، من خلال استدراكها على الرجال في قضايا خاصة بالنساء، وتمس مصلحـة الرجال. فعن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة
( أن أبا عمرو بن حفص بن المغيرة، خرج مع علي بن أبي طالب إلى اليمن، فأرسل إلى امرأته فاطمة بنت قيس بتطليقة كانت بقيت من طلاقها. وأمر لها الحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة بنفقة. فقالا لها: والله ما لك نفقة إلا أن تكوني حاملا، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكرت له قولهما فقال: لا نفقة لك، فاستأذنته في الانتقال، فأذن لها. فقالت: أين يا رسول الله؟ فقال: إلى ابن أم مكتوم، وكان أعمى، تضع ثيابها عنده ولا يراها. فلما مضت عدتها، أنكحها النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد. فأرسل إليها مروان قبيصة بن ذؤيب يسألها عن الحديث. فحدثته به فقال مروان: لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأة، سنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها. فقالت فاطمة حين بلغها قول مروان: فبيني وبينكم القرآن، قال الله عز وجل: ( لا تخرجوهن من بيوتهن ) (الطلاق:1 )، قالت هذا لمن كانت له مراجعة، فأي أمر يحدث بعد الثلاث، فكيف تقولون: لا نفقة لها إذا لم تكن حاملا؟ فعلام تحبسونها ) >[3] .
[ ص: 159 ]
وبحكم كونها امرأة تعلم فاطمة بنت قيس الضرر الذي يلحق بالمطلقة ثلاثا إذا لم يرخص لها أن تعتد خارج بيتها، واعتبرت حبسها في بيت زوجها بدون نفقة ظلما لها، فرأت أنه من مصلحتها أن تعتد في بيت زوجهـا في الطـلاق الرجعي، إذ لها الحق في النفقة وقد يراجعها زوجها. وأما أن تعتد في بيت زوجها بعد الطلقة الثالثة ليس لها في ذلك مصلحة، فلا نفقة ولا رجعة. فإذن الرسول صلى الله عليه وسلم لها بالانتقال كان لمصلحتها. ويبدو جليا من خلال هذه الرواية رجاحة عقلها.
ويتجلى حضور فاطمة في الموقع النخبوي من خلال حرصها على اهتمامها بأمور المسلمين. روي
( عن عامر أنه سأل فاطمة بنت قيس، أخت الضحاك بن قيس، وكانت من المهاجرات الأول، فقال: "حدثيني حديثا سمعتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسنديه إلى أحد غيره، فقالت: لئن شئت لأفعلن، فقال لها: أجل حدثيني. فقالت:.... فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ينادي الصلاة جامعة فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته جلس على المنبر وهو يضحك، فقال: ليلزم كل إنسان مصلاه، ثم قال: أتدرون لم جمعتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا فجاء فبايع وأسلم وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال ) >[4] .
[ ص: 160 ]
ويمكننا أن نستخلص من هذا الحديث أمورا كثيرة هي كالآتي:
- استجابتها للنداء مباشرة بعد انقضاء عدتـها، مما يدل على أن الطـلاق لم يسبب لها أزمة نفسية تبعدها عن المجتمع، لأن الطلاق آنذاك كان يعد حلا وليس مشكلة، والذي يؤكد ذلك أنها جلست في صف النساء الذي يلي ظهور القوم.
- لم يمنعها انقضاء عدتها التخلي عن الاهتمام بأمور المسلمين العامة، فهي مثل أخيها الرجل تنشد أن تكون خليفة الله في الأرض، فيهمها أن تكون على اتصال بقضايا الأمة.
- تدل هذه الرواية، على أن الصحابية لم تكن تهتم بقضايا المرأة فقط، وإنما كانت حريصة على مختلف القضايا التي تخص المسلمين. ومنها ما قد يهدد مستقبل المجتمع.
وحسب ما ذكرت المصادر فإن فاطمة بنت قيس كانت ذات عقل راجح، وأن في بيتها اجتمع أهل الشورى بعد مقتل عمر، رضي الله عنه، وهذا دليل على حضور فاطمة في الموقع النخبـوي دون أن يصلنا ماجاد به عقلها، ولا السبب الذي رشـح بيتـها ليحتضن مثل ذلك الاجتمـاع الذي يحدد مصـير الأمـة. يمكننا تأويل هذا الاختيـار بأنه دليل على اهتمام فاطمة بالقضايا السياسية.
[ ص: 161 ]