7- أم سليم، الغميصاء بنت ملحان
>[1] :
يبدو أن أم سليم الغميصاء كانت تلقب بألقاب كثيرة. فيقال لها الرميصاء، ويقال سهلة، ويقال أنيفة، ويقال رميثة، بنت ملـحان بن خـالد ابن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصارية الخزرجية. أسلمت مع السابقين إلى الإسلام من الأنصار. أم خادم النبي صلى الله عليه وسلم أنس بن مـالك. فمات زوجـها مالك بن النضر ثم تزوجها أبو طلحة زيد ابن سهل الأنصاري، فولدت له أبا عمير وعبد الله. شهدت حنينا وأحدا وكانت من فضليات النساء. روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أربعة عشر حديثا، اتفق لها البخاري ومسلم على حديث وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديثين.
ولقد حظيت الغميصاء بمكانة خاصة عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فعن أنس قال:
( كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه إلا أم سليم، فإنه كان يدخل عليها. فقيل له في ذلك فقال: إني أرحمها، قتل أخوها معي ) وفي
[ ص: 164 ] رواية عنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
( دخلت الجنة فسمعت خشفة، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذه الغميصاء بنت ملحان أم أنس بن مالك ) >[2] .
لقد اشتهرت الغميصاء بالمهر الذي طلبته من أبي طلحة مقابل الزواج بها. لقد كان مهرها الإسلام رغم تمتع أبي طلحة بكثرة المال
>[3] .
وهذا دليل على قيمة وأهمية المهر. فهي لم تطلب منه المال نتيجة زهدها؛ لأنه لم يكن هناك ما يمنعها أن تطلبه فهو غني، وطلب مهر مادي سهل عليه أداؤه. طلبت منه شيئا لا يملكه وهو الإسلام. فبالنسبة لها لا يكافئها لأنه كافر. فالمهر الذي يتقدم به الرجل يجب أن يعبر عن مدى رجولة الرجل واستعداده لتحمل مسؤوليته، وأنه قادر أن يوفر لها الرعاية والحماية. غير أن بعض الناس أساؤوا استخدام قصتها وراحوا يشجعون الرجال على الكسل وعدم التفاني في القيام على رعاية المرأة، ومحاولة بذل كل مافي وسعهم فيجتهد في الحصول على ما يثبت استعداده على تحمل مسؤوليته تجاه هذه المرأة التي يرغب في الزواج بها. وليس بالضرورة مهرا ماديا كما فعلت أم سليم. فأيسرهن مهرا أكثرهن بركة. فمهري مثلا كان نصفه مادي رمزي والنصف الآخر كان عندي أهم وهو أن يعينني زوجي ويوفر لي الظروف المناسبة لإتمام الدراسة للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه. وفعلا بارك الله لنا في زواجنا.
[ ص: 165 ] وواجهتنا عراقيل في الطريق أكسب مهري المعنوي زوجي طاقة أكبر لتحملها. فكان من الممكن أن يستسلم أمام تلك الظروف لكن بفضل الله أراد أن يوفي وعده فاستطاع تجاوز تلك العقبات.
واشتهرت أم سليم أيضا بصبرها الشديد على موت ولدها
>[4] . ولقد كانت أم سليم حريصة على حسن التزامها بأوامر النبي صلى الله عليه وسلم . فعن أم عطية قالت:
( أخـذ علينا رسـول الله صلى الله عليه وسلم مع البيعة ألا ننوح، فما وفت منا امرأة إلا خمس: أم سليم، وأم العلاء، وابنة أبي سبرة امرأة معاذ -أو ابنة أبي سبرة وامرأة معاذ ) >[5] .
كما كانت حريصـة على أن تستفسر عن قضايا فقهيـة، لم يمنع الحياء أم سليم أن تستفسر في قضايا دينها حتى ولو كانت محرجة. فعن أم سلمة قالت:
( جـاءت أم سليم إلى رسـول الله صلى الله عليه وسلم ، فقـالت: يا رسـول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا رأت الماء. فغطت أم سلمة، تعني وجهها، وقالت: يا رسول الله، أوتحتلم المرأة؟ قال: نعم، تربت يمينك، فبم يشبهها ولدها ) >[6] .
عن إسحاق بن أبي طلحة، حدثني أنس بن مالك، قال:
( جاءت أم سليم -وهـي جـدة إسحـق- إلى رسـول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت له وعائشة عنده: [ ص: 166 ] يا رسول الله، المرأة ترى ما يرى الرجل في المنام، فترى من نفسها ما يرى الرجل من نفسه، فقالت عائشة: يا أم سليم، فضحت النساء تربت يمينك. فقال لعائشة: بل أنت فتربت يمينك، نعم فلتغتسل يا أم سليم إذا رأت ذاك ) >[7] . لقد أقر الرسول صلى الله عليه وسلم المجال الذي كانت تظن عائشة أنه محظور على النساء السؤال فيه. فها هو يعلمهن ويشجعهن على السؤال وبدون حرج.
ولقد كان لأم سليم موقف خاص مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث إنها أشارت عليه يوم غزوة حنين -وهو بمثابة رئيس الدولة آنذاك- في أخطر القضايا المتعلقة بالدولة، وهو استئصال المعارضة الخفية. لقد رأت في الطلقاء خطرا كبيرا على الدولة الإسلامية؛ لأنها اعتقدت أنهم أسلموا على مضض، يظهرون ما لا يبطنون أي منافقون.
( وعن أنس أن أم سليم اتخذت يوم حنين خنجرا، فكان معها فرآها أبو طلحة، فقال: يا رسول الله هذه أم سليم معها خنجر. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما هذا الخنجر؟ قالت: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك. قالت: اقتل من بعدنا من الطلقاء، انهزموا بك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أم سليم، إن الله قد كفى وأحسن ) >[8] .
ولـم تكن الغميصاء مهتمة بالقضايا السياسية فحسب، بل كانت تشارك في الجهاد أيضا. فعن أنس بن مالك قال:
( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو [ ص: 167 ] بأم سليم ونسـوة من الأنصـار معه، إذا غزا فيسقين الماء، ويداوين الجرحى ) >[9] .
وعن أنس بن مالك قال:
( لما كان يوم أحد انهزم ناس من الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو طلحـة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم مجوب عليه بحجفة. قال: وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد النزع، وكسر يومئذ قوسين أو ثلاثا. قال: فكان الرجل يمر معـه الجعبة من النبل، فيقول: انثرها لأبي طلحة، قال: ويشرف نبي الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم. فيقـول أبو طلحـة: يا نبي الله بأبي أنت وأمي لا تشرف لا يصبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك. قال: ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر، وأم سليم، وإنهما لمشمرتان، أرى خدم سوقهما تنقلان القرب على متونهما، ثم تفرغانه في أفواههم، ثم ترجعان فتملآنها، ثم تجيئان تفرغانه في أفواه القوم، ولقد وقع السيـف من يـدي أبي طلحـة إما مرتين وإما ثلاثا من النعاس ) >[10] .
وخلاصة القول: إن أم سليم كان لها موقع في الوسط النخبوي، سواء بالأحـاديث التي روتـها عن رسـول الله صلى الله عليه وسلم ، أو آرائها السياسية المصيرية، أو بمشاركتها في الجهـاد. إن إسهاماتها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مع إقرار النبي بذلك -وهو كان بمثابة رئيس الدولـة- دليل على إقرار النبي لهذا الموقع في المجتمع. فلو كان موقع المرأة النخبـوي محصورا في مجال معين لأنكر عليها، ولقال لها: لا دخل للنساء في شؤون السياسة. العكس تماما حدث فقد كان، عليه أفضل الصلاة والتسليم، يأخد ويرد معها في الكلام.
[ ص: 168 ]