- خصائص تميزت بها السيدة عائشة:

لقد تميزت السيدة عائشة، رضي الله عنها، بخصائص متفردة، تحدثنا عنها هي، فتقول، رضي الله عنها: "لقد أعطيت تسعا ما أعطيتهن امرأة إلا مريم بنت عمران: لقد نـزل جبريل بصورتي في راحته، حتى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني، ولقد تزوجني بكرا، وما تزوج بكرا غيري، ولقد قبض ورأسه في حجري، وقد قبرته في بيتي، ولقد حفت الملائكة بيتي، وإن كان الوحي ليتنـزل وهو بأهله فيتفرقون عنه، وإن كان الوحي لينـزل عليه وإني معه في لحافه، وإني لابنة خليفته وصديقه، ولقد نـزل عذري من السماء، ولقد خلقت طيبة، وعندي طيب، ولقد وعدت مغفرة ورزقا كريما" >^[1] .

تناولت بعض الكتب خصائص أو مناقب عائشة، رضي الله عنها، بشيء من التفصيل دون أن تبرز الحكمة من ذلك، بل وجدت من يذكر تلك [ ص: 193 ] الخصائص على سبيل التفضيل بينها وبين الصحابيات الأخريات؛ لو درست كل شخصية على حدة لوجدنا كل واحدة تميزت ببعض الخصائص لم تتميز بها غيرها، وهذا لحكمة أرادها الله عز وجل. فليس من العدل أن يتساوى كل النساء أو كل الرجال في الخصائص نفسها، فكل ميسر لما خلق له. ونرى ذلك حتى في نبي الله نوح، عليه السلام، كان عبدا شكورا، وكان أيوب عبدا صبورا، وكذلك العلماء يتباينون في الخصائص. إن الناس يتكامل بعضهم ببعض و ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) (الحجرات:13). هذا هو مقيـاس التفضيـل عند الله، والتقوى لا يعـلم سـرها إلا الله تعالى، لذلك لا نعتمد على الخصائص الظاهرة لتفضيل شخص على آخر، والأمر نفسه ينطبق على عائشة، رضي الله عنها.

إن تلك الخصائص التي تميزت بها السيدة عائشة، رضي الله عنها، كانت مرتبطة بالدور الذي خلقت لأجله، والمقارنة فيما بين الصحابيات على سبيل التفضيل قد تقلل من شأن أدوار الأخريات، وما كان الله أن يخلق الناس عبثا، فكل الأدوار تشكل توازنا فيما بين الناس، إذا نقص أحدها شكل خللا في المجتمع، فالأجدر -في رأيي- هو أن نبرز أهمية كل دور، فنحاول من خلال سيرتهن أن نستخرج موقع كل واحدة في ذلك المجتمع، مثلما نحن بصدد فعله الآن، فمن خلال سردنا لتلك الخصائص يمكننا أن ندرك أهمية هذا الأنموذج من بين النماذج النسائية الأخرى، والتي لا تقل أهمية عنه، فكل أنموذج له موقعه الخاص في المجتمع، والذي لا يمكن الاستغناء عنه، وفي حالة نقصان أي دور يحدث الخلل، ويختل التوازن بدرجات مختلفة. [ ص: 194 ]

لقد سبق وأن تعرضنا إلى بعض هذه الخصائص، غير أنني سأحاول هنا أن أؤكد سبب تميزها بها عن غيرها. لقد تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر من الله عز وجل، ليعيد المولى سبحانه بعث هذا الأنموذج في المجتمع، وتحظى بالعناية النبوية منذ سن مبكرة، فيهيئها ويتولى تخريج هذا الأنموذج إلى المجتمع، فالمرأة لا تمنعها أنوثتها من أن تكون عنصرا نخبويا فعالا؛ ويتجلى تأثيرها خاصة في الوسط النسائي.

والخاصية الأخرى نـزول تبرئتها من السماء، نستخلص منها أن تلك الآيات ستبقى شاهدة إلى يوم القيامة على أن هذا الحدث يمكن أن يتكرر مع غير عائشة، مثلما حدث مع مريم قبلها لأن المجتمع مطبوع على هذا العرف، وأن إرضاءه غاية لا تدرك. ومنه نستخلص أن رأي الناس أو كلام الناس ليس مبررا لإزالة هذا الأنموذج من المجتمع سدا لأي ذريعة.