3- التأكيد الاستقرائي:
يأتي تأكيد ابن خلدون لاستنتاجه الاستقرائي بعد عرض تلك الجزئيات الكثيرة التي يتضافر معانيها على قاعدة عدم امتلاك رواة الأخبار للمعارف والأحوال المسعفة لتحري الصدق والصحة فيها، لذلك "فقد زلت أقدام كثير من الأثبات والمؤرخين الحفاظ في مثل هذه الأحاديث والآراء، وعلقت أفكارهم، ونقلها عنهم الكافة من ضعفة النظر والغفلة عن القياس، وتلقوها هم أيضا كذلك من غير بحث ولا روية، واندرجت في محفوظاتهم، حتى صار فن التاريخ واهيا مختلطا وناظره مرتبكا وعد من مناحي العامة"
>[1] .
ويعود ابن خلدون ليقر بضرورة الاحتياج إلى قواعد العمران الإنساني، من مبادئ السياسة واختلاف الأمم والأحوال في رواية الأحداث والوقائع، منبها إلى خطورة الذهول عن هذا الأمر، الذي ينتج عنه كثير من الخلط وعدم تحري المطابقة في الأخبار بقوله: "وقد ذهل الكثير عن هذا السر فيه حتى صار انتحاله مجهلة، واستخف العوام ومن لا رسوخ له في المعارف مطالعته وحمله والخوض فيه والتطفل عليه فاختلط المرعي بالهمل، واللباب بالقشر، والصادق بالكاذب، وإلى الله عاقبة الأمور"
>[2] .
[ ص: 52 ]