البعد المنطقي في النظر العلمي
بين الشاطبي وابن خلدون
لقد شكلت "صدمة" المنطق بالنسبة للفكر الإسلامي منذ بداياته الأولى، وخاصة مع الترجمة الشهيرة على عهد الخليفة المأمون، منعطفا قويا عبر تاريخه الحافل بالتداخل العلمي والتثاقف المعرفي المشهود بين الثقافة الإسلامية والثقافات الأخرى، فاستوجب ذلك تأثيرا عميقا على مستوى المباحث الموضوعية وعلى صعيد الآليات المنهجية، ثم على سبيل الأبعاد الغائية.
فكان من أهم تداعيات "الصدمة" المنطقية ذلك التوهج الفكري والفلسفي والثورة المعرفية التي عرفتها الحضارة الإسلامية بشتى مجالاتها، سواء في جوانبها العملية التطبيقية، أو جوانبها العلمية النظرية، فالأول تمثل في إيحاءاته الحضارية العمرانية، والثاني تشخص في بيئاته الثقافية المعرفية.
إن أغلب العلماء النظار الذين أنجبتهم الحضارة الإسلامية، إن لم أقل كلهم، لهم نصيب وافر وحظ غير يسير من المعرفة المنطقية، إما من حيث دراستها وتعلمها، أو من حيث استثمارها وتوظيفها في كتاباتهم، وبالرجوع إلى سيرهم العلمية يتضح ذلك بجلاء، ولعل الشاطبي وابن خلدون ليسا باستثناءين من هذا الحكم، وليسا خصوصا من هذا العموم، فالأول كتاباته مفعمة بالروح المنطقية وخاصة "الموافقات"، والثاني لا تخلو مقدمته من أنظار منطقية وفلسفية. [ ص: 75 ]
فكتاب "الموافقات في أصول الشريعة" و"المقدمة" يعتبران من أنفس الكتب التي أرخت للثقافة العلمية الإسلامية، في علم أصول الشريعة وعلم أصول التاريخ العمراني، إذ يعرفهما المبتدئ في طلب العلم المخصوص والمجتهد في أصوله، بالنظر إلى الأسلوب المعتمد في الكتابة، والطرق المسلوكة في النظر، والغايات المقصودة في الدراسة، فهل لعلم المنطق والفلسفة نصيب في حيازة تلك النفاسة المكتسبة؟
التالي
السابق