المسألة الثالثة: الضمان الاجتماعي:
يبدو اهتمام الجويني بهذا الجانب من خلال تأكيده أن على الإمام أن يجعل الاعتناء بالفقراء من أهم الأمور المرعية؛ وذلك أن "الدنيا بحذافيرها لا تعدل تضرر فقير من فقراء المسـلمين في ضر"، فإذا نزلت بالمسلمين نازلة، وكان بيت المال شـاغرا، فإن على الإمام "أن يتسبب إلى استيداء مال من موسري المؤمنين، فإنه يفعـل من ذلك على موجب الاستصواب ما أراد، وعمم أهـل الاقتـدار واليسـار في أقاصـي البـلاد، ورتب
[ ص: 128 ] على كل ناحية في تحصيـل المراد ذا كفـاية ودربة وسداد". إذن، للإمام أن يوظف من أمـوال الأغنيـاء ما يراه سـادا للحـاجة، وكافيا لدفـع ما نزل بالمسلمين.
وما يوظفه ولي الأمر في هذه الحالة على الأغنياء من الأموال لسد حاجات الفقراء، ليس محددا ومقدرا، وإنما يتبع سد حاجات الفقراء التي من أجلها شرع التوظيف؛ إذ ليس ثمة خلاف بين المسلمين، أن سد حاجات المضطرين في أوقات الأزمات والشدائد محتوم على الأغنياء
>[1] .
أما ما يتعلق بالمشرفين على الضياع، فإن القيام على أمرهم بأسباب الصون والحفظ والإبقاء والإنقاذ من أهم ما يجب على القائمين على دولة الإسلام. والقيام على أمر هؤلاء يكون من بيت مال المسلمين؛ لأن "مال المصالح معد لكل مصلحة ليس لها على الخلوص والخصوص مال، وكل مصرف قصر عنه المال المعد له، فمال المصالح يستتمه ويستكمله".
ويضع الجويني ضابطا لما يجب على الأغنياء القيام به لسد حاجات الفقراء، وذلك بأن "يستظهر كل موسر بقوت سنة، ويصرف الباقي إلى ذوي الضرورات وأصحاب الخصاصات"
>[2] . فالمطلوب نهاية سد حاجات الفقراء دون إفقار الأغنياء؛ للحفاظ على حاجات كل من الفريقين.
[ ص: 129 ]