المطلب الثاني: مجالات الدعوة والهدف منها:
يقرر الجويني أن المقصود من إقامة الدولة في الإسلام إقامة الدين أولا، والنظر في الدنيا تابع لهذا المقصد الأساس. هذا عن هدف الدعوة، أما عن مجالاتها، فلها مجالان:
الأول: داخلي، يتمثل في "حفظ الدين بأقصى الوسع على المؤمنين، ودفع شبهات الزائغين"، والسبيل لذلك، "جمع عامة الخلق على مذاهب السلف". ويدخل في هذا المجال "اعتناء الإمام بسد الثغور، فهو من أهم الأمور، وذلك بأن يحصن أساس الحصون والقلاع، ويستذخر لها بذخائر الأطعمة، ومستنقعات المياه، واحتفار الخنادق، وضروب الوثائق، وإعداد الأسـلحة والعتاد، وآلات الصد والدفـع، ويرتب في كل ثغر من الرجال ما يليق به".
ويقرر الجويني أنه إذا عطل أهل ناحية من نواحي الإسلام، ما هو من شعائر الإسلام الظاهرة، كترك الأذان، وترك الجماعات، فإن على الإمام أن يحملهم على إقامتها. لكن إن لم يفعلوا، فهل يجوز قتالهم؟ المسألة محل اجتهاد بحسب الجويني
>[1] .
الثاني: خارجي، يتمثل في دعوة "الجاحدين والكافرين، إلى التزام الحق المبين". وذلك يكون بمسلكين:
[ ص: 160 ] أحدهما: الحجة والبيان.
والثاني: القتال.
بخصوص المسلك الأول، إذا "بلغ الإمام تشوف طوائف من الكفار إلى قبول الحق لو وجدوا مرشدا، أشخص إليهم من يستقل بهذا الأمر من علماء المسلمين". فإن لم يفلح هذا المسلك، تعين عليه المسلك الثاني، وذلك بالاستعانة عليهم "بذوي النجدة والسلاح".
وبخصوص المسلك الثاني، يقرر الجويني أن لزوم الجنود في الثغور والرباط من غير انبعاث للجهاد، أمر غير مقبول؛ لما يترتب عليه من عواقب غير محمودة؛ منها: وهو الأهم، انقطاع الدعوة إلى الله. ومنها: إغراء أعداء الإسلام في النيل منه. ومنها: انقطاع الأموال عن بيت المال.
والمتحصل بصدد مجالات الدعوة أمران:
أحدهما: سلامة دولة الإسلام من البدع والفتن؛ وذلك بتحصينها بعقيدة نقية سليمة.
وثانيهما: دعوة غير المسلمين إلى الدين الحنيف
>[2] .
[ ص: 161 ]