4- مظاهر العولمة الاجتماعية ومتطلباتها التربوية:
ونعني بالعولمة الاجتماعية: تعميم البنى الاجتماعية وأنماط السلوك والعلاقات الغربية -عموما- والأمريكية -خصوصا- على جميع بلدان العالم، ومنها أو في مقدمتها البلاد العربية، على أساس أن عولمة المجال الاجتماعي نظام فرعي لا بد منه لإكمال منظومة العولمة والعمل ضمنها؛ لدفع عولمة المجالات الأخرى الاقتصادية والثقافية والسياسية في عمليات متساندة ومتبادلة لعمليات التفاعل، وبصورة دائرية تؤدي كل منها إلى تعزيز وجود الأخرى في اتجاه عولمة المنظومة الرأسمالية أو الحضارة الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة.
فنتيجة لعولمة المظاهر الاقتصادية والسياسية والثقافية نشأت العولمة الاجتماعية في البلاد العربية وبلدان العالم الثالث بالضرورة، إذ استدعى عولمة المجالات السابقة تفكيك البنى التقليدية، واختراق منظومة القيم وأنماط العلاقات الاجتماعية والعادات في المجتمعات العربية؛ بقصد تنميط أساليب الحياة الغربية، من خلال نشر الثقافة الاستهلاكية لتصريف منتجات الدول الرأسمالية، وفتح المجال أمام تطور القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج داخليا بالشكل الذي يخدم مصالح الشركات العابرة للقارات والحدود، والعمل على ما من شأنه نقل المجتمعات المحلية والبيئات الداخلية إلى النطاق العالمي؛ حتى تصبح جميع القضايا والمشكلات الاجتماعية المعاصرة عالمية، وبالتالي يمكن مواجهتها عالميا.
[ ص: 116 ]
ولم تحقق عولمة اقتصاديات البلاد العربية والعالم الثالث التنمية المنشودة، ولم تحسن الأوضاع الاجتماعية والإنسانية للغالبية الساحقة من سكان البلاد العربية، التي بشر بها منظرو الرأسمالية، أو تحد من البطالة والفقر فحسب، وإنما أيضا عملت على تقويض المكاسب الاجتماعية القديمة، وإلقاء قطاع كبير من السكان في دوامة البطالة والفقر والتهميش، حتى بالنسبة للفئات التي كانت تحظى بمستوى معيشي مقبول
>[1] .
وعلى كل حال؛ يمكن رصد مظاهر العولمة الاجتماعية في البلاد العربية على النحو الآتي:
- تفكك البنى الاجتماعية التقليدية للمجتمعات العربية، وإعادة تشكلها على أساس ارتباطها بالنظام الرأسمالي المعولم، ويتجلى ذلك في هبوط شرائح اجتماعية، وصعود أخرى، إذ طالما أن العولمة تعيد ترتيب مواقع الجماعات والأفراد على أساس علاقتها بالرأسمالية المعولمة (المادية منها والمعنوية) ودرجة تحكمها بعناصر الإنتاج التي يمكن عولمتها من رأس مال، وموارد وإمكانات؛ فإن القوى الاجتماعية التقليدية التي لا تستمد قوتها من قوة الاقتصاد ومعاييره العالمية أخذت تفقد أهميتها، وتتراجع مواقعها القيادية؛ الأمر الذي دفعها إلى التمركز حول ذاتها، وتبني سياسات مضادة
>[2] .
[ ص: 117 ]
- انتشار القيم وأنماط العلاقات والسلوكيات الاجتماعية الغربية، وفي مقدمتها الأمريكية، ويتبدى ذلك في مظاهر عديدة منها: الملبس والمأكل وغيره، وتراجع قيم ومعايير السلوك الاجتماعي، وتفكك العلاقات الأسرية والعشائرية، وبروز مظاهر الاستقلال الذاتي والفردية والانعزالية. كما يعمل التحديث على زعزعة القواعد الاجتماعية التي يقوم عليها التمثيل السياسي، أو النيابي، ويعمل على تصدر قوى الفكر وقوى التنوير والتغيير الاجتماعي على غيرها؛ مما يثير حفيظة القوى التقليدية التي ترى أن لها الشرعية المطلقة، ويؤدي بدوره إلى تفكيك البنى والعلاقات التقليدية، والتمزق والازدواجية، وضياع الهوية
>[3] .
- تؤدي عولمة الاقتصاد المدفوعة بتقنيات المعلومات والاتصالات والإعلام إلى تغير هيكل الإنتاج وأدوات الإنتاج وفنونه، وبالتالي تغير هيكل القوى العاملة ومستوى معارفها ومهاراتها، وبذلك ارتفعت البطالة، وخصوصا بين الشباب، واتسعت ظاهرة الفقر، وانخفضت الأجور، وتفاقم التفاوت في توزيع الدخل والثروة بين المواطنين، وتدهورت مستويات المعيشة، وينعكس ذلك على المستوى العالمي باتساع الهوة بين الدول الرأسمالية الأكثر غنى وتقدما، وهيمنتها على البلاد العربية التي تزداد فقرا وتخلفا وتبعية.
- تفاقم مظـاهر الفقر والبطالة، وانتشار الفساد المالي والإداري، وتفشي الإجرام بكل صوره -بما فيها المنظمة عالميا- وانتشار العنف
[ ص: 118 ] والإرهاب، وتنامي النـزاعات القومية والقبلية والعرقية والسياسية بين مكونات المجتمع
>[4] .
- قوضت العولمة أسس قيام الطبقة الوسطى
>[5] بمكوناتها الاقتصادية والاجتماعية وأنماط معيشتها؛ نتيجة التغير في البناء الاجتماعي التقليدي الذي أحدثته العولمة في البلاد العربية والعالم الثالث؛ مما حرم المجتمع من قوى التجديد المتوازن.
- نقل الإعلام والمعلوماتية المجتمعات المحلية والبيئات الداخلية إلى النطاق العالمي؛ حيث فكك الإعلام والمعلوماتية العلاقات الاجتماعية التقليدية، وأعاد تشكيل البناء الاجتماعي، ورسم خريطة الانتماءات
[ ص: 119 ] والولاءات الفردية والمجتمعية، وأدى إلى بروز مفاهيم الاختيار الشخصي والاستقلال الذاتي، وتغييب الصراع الاجتماعي
>[6] .
- تزايد الاهتمام بحقوق المرأة العربية، فكرا وتطبيقا، بصورة غير مسبوقة، غير أن فرض الدول الرأسمالية لعولمة حقوق المرأة وغيرها في البلاد العربية كما هو سائد فيها هو تجاوز وخرق لمبادئ الدين الإسلامي
>[7] .
- تزايد حدة الصراع الطبقي بين الفئات الغنية والفقيرة، وبين الحضر والريف، وانتشار العنف والجريمة، ولاسيما بين الصغار والشباب.
- ضيق الفرص التعليمية أمام أبناء الفقراء، والعاطلين عن العمل، والمهمشين، وبالتالي ضيق فرص مشاركتهم في الدخل القومي.
[ ص: 120 ]