المطلب الرابع: علاقة مقاصد الشريعة بفقه التنزيل:
إن علاقة فقه التنـزيل بالمقاصد تأخذ عدة أبعاد، منها: أن العلم بالمقاصد له أثر كبير في توجيه النازلة بما يحقق مقاصدها، التي من أجلها شرع حكمها. وذلك بتشخيص المناط ومدى تعرض هذا المناط للتغير من حال إلى آخر بسبب العوارض المكانية والزمانية والإنسانية.
لكن تغير مناط الحكم الشرعي بتغير ظروف النازلة بسبب هذه العوارض قد يجعل الحكم الشرعي لا يترتب عليه حكمته ومقصده، الذي من أجله شرع حين تطبيق هذا الحكم على النازلة الجديدة، فيلجأ المجتهد إلى الحكم بعدم التنـزيل ويلجأ إلى التأجيل إلى حين توفر الشروط وانتفاء الموانع؛ لأن تطبيق الحكم دون مراعاة هذه العوارض قد يسفر عن نتائج تكون معاكسة لقواعد الشريعة ومقاصدها من تشريع الحكم.
>[1] مقاصد المكلفين:
هو أن يقصد المكلف بعمل ما كلف به شرعا موافقة ما قصده الشارع من المقاصد التي بينها له، ووجهه إليها
>[2] .
فالنية والقصد لهما كبير الأثر في تصحيح الأحكام أو إفسادها، يختلف حسب اختلاف الأحكام. فمنها ما لا بد لصحته من توفر النية الصحيحة إلى جانب الأركان والشروط الضرورية كالصلاة والصوم وعامة أنواع العبادات.
[ ص: 58 ] ومنها ما يكفي لصحتـه توفر الأركان والشروط الظـاهرة فيه دون نظر إلى ما في أعماق القلب من النية والقصد، كعقود البيع والشراء وعامة المعاملات.
فالوسـائط المشروعة التي يراد التوصل بـها إلى تغيير حكم شرعي، لم يطرأ عليها سوى قصد استعمالها لغير ما شرعت من أجله في عموم الأحوال. وما دامت هذه الوسائط من الأمور التي لايتحكم القصد في صحتها وبطلانها، فهذا الذي طرأ عليها لا أثر له في بطلانها، إذا كانت كاملة الأركان والشروط. هذا على فرض أن قصد التحايل كان ظاهرا وجليا في عمله أو قوله.
>[3]