المطلب الرابع: الفرق بين تعليق الحكم وتعطيل الحكم:
اتكل المعطلة الجدد على اجتهادات أمير المؤمنين عمر، رضي الله عنه، في إنكار مجموعة من أحكام الشريعة الإسلامية.
ومن هذه الاجتهادات تعليق مناط إعطاء المؤلفة قلوبهم، فقد اضطربت الأفكار في هذه المسألة اضطرابا عظيما، فذهب بعض المتقدمين إلى أن الصحابة وافقوا عمر بن الخطاب على رأيه فكان إجماعا ناسخا لحكم المؤلفة قلوبهم
>[1] ، وذهب بعض المعاصرين إلى أن عمر، رضي الله عنه، قد نسخ الحكم برأيه وألغى النص الصريح.
وقد بين الإمام ابن تيمية اجتهاد عمر، رضي الله عنه، واعتبر أن ما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم شرعا معلقا بسبب يوجد بوجود السبب، كإعطاء المؤلفة قلوبهم، فإنه ثابت بالكتاب والسنة، ومن ظن أن عمر قد نسخها فقد أخطأ ذلك أنه استغنى، رضي الله عنه، في زمنه عن إعطاء المؤلفة قلوبهم لعدم الحاجة إليه، كما لو فرض أنه عدم في بعض الأوقات ابن السبيل، والغارم، ونحو ذلك
>[2] .
فعدم إعطائه، رضي الله عنه، هو عدم تحقق مناط الإعطاء الذي هو التأليف
>[3] ، لا تعطيل الحكم رغم وجود المناط، "فالله عز وجل قد علق
[ ص: 90 ] الإعطاء لهذا الصنف في كتابه الكريم بقوله
( والمؤلفة قلوبهم ) فالتأليف هو علة إعطائهم، إذ ربط الحكم المشتق يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق"
>[4] .
لذلك لو تحقق مناط التأليف في أي عصر وجب إعطاؤهم، ومن أمثلة تحقق مناط التأليف ما أفتى به شيخ الإسلام ابن تيمية من وجوب إعطاء المحاربين لتأليفهم، قال: "ولو كانت لهم - أي المحاربون - شوكة قوية تحتاج إلى تأليف، فأعطى الإمام من الفيء والمصالح والزكاة لبعض رؤسائهم يعينهم على إحضار الباقين، أو ترك شره فيضعف الباقون ونحو ذلك جاز، وكان هؤلاء من المؤلفة قلوبهم"
>[5] .
وعليه، فلا فائدة في الاتكاء على الاجتهادات العمرية لتعطيل بعض الأحكام الشرعية، لأنه يجب فهمها أولا قبل إعطاء الحكم ثانيا، وقبل القياس عليها ثالثا.