المبحث الثاني: الاستقامة والاعتدال
أنبأنا استقراء موارد الشريعة الإسلامية من كليات دلائلها وجزئياتها، أن من مقاصدها أن تكون مرهوبة الجانب نافذة في الأمة، إذ لا تحصل المنفعة المقصودة منها كاملة بدون ذلك، وجعلت أعظم باعث على احترام الشريعة ونفوذها أنها خطاب الله تعالى للأمة
>[1] ، دل على ذلك قوله تعالى:
( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) (الشورى:13)، وقوله تعالى:
( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ) (الجاثية:18).
وأوكلت مهمة احترام الشريعة ونفوذها في نفوس الناس ابتداء إلى أنواع الوازع الجبلية والدينية
>[2] ، "ولإكمال الوصول إلى الغاية من هذا المسلك أقام نظام الشريعة أمناء ووزعة لتنفيذ أحكامها ومقاصدها في الناس بالرغبة والرهبة"
>[3] ، كما دل عليه قوله تعالى:
( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس [ ص: 88 ] شديد ومنافع للناس ) (الحديد:25)، فمهما ضعف الوازع الديني في قوم أو زمن أو حال يصار إلى الوازع السلطاني، كما قال عثمان بن عفان رضي الله عنه : "يزع الله بالسلطان أعظم مما يزع بالقرآن"
>[4] .
إذا انتهينا إلى هنا فإنني أقول: إن مبدأ الاستقامة وإن كنت طرقت بعض جوانبه عند تعرضي لشروط القاضي التحسينية إلا أنه بهذا المبحث أليق، لتعلقه برهبة المنصب التي هي من كمال مقصد الشريعة من ولاية القضاء.