الفصل الثالث
نزاهة القضاء
من أجلى نقاط الالتقاء بين الأخلاق والقانون، ما ينبغي أن يتحلى به صاحب ولاية القضاء من عدل ونزاهة. ومعناها التجرد وعدم الميل لأحد المتداعيين، واجتناب التصرف بما يجرح ذلك، وهي عائدة إلى معنى الاستقامة العائد بدوره إلى معنى العدل والاعتدال
>[1] .
هذا التشابك بين المعاني والمصطلحات، بقدر ما يجعل التمايز بينها من الصعـوبة بمـكان، إلا أنه يومئ إلى وحـدة الأخلاق ووحدة مصدرها
>[2] ، هذا من جهة.
ومن جهة ثانية، يؤكد مرجعية القانون المرتكز أساسا على الأخلاق. فليس القانون قوالب جافة تطبق في فضاء مغلق، بل هو متشبع بروح الشريعة
[ ص: 155 ] المشرئبة إلى تكريس مبادئ العدالة في المجتمع، حتى وإن أدى ذلك إلى مخالفة الحكم القانوني
>[3] .
هذه الشريعة التي جعلت من أهدافها إصلاح الكل الفردي، وإصلاح الفرد الكلي، لتصل من مجموع ذلك إلى حفظ نظام الأمة.
وإذا كانت النـزاهة بمعناها الشمولي حلقة في سلسلة الأخلاق، إلا أني سأقتصر هنا على ذكر متعلقاتها القانونية، بما يخدم غرضي من هذا البحث، وهي في مجملها قسمان:
الأول: ما يتعلق بنـزاهة القاضي.
الثاني: ما يتعلق بنـزاهة الحكـم.
[ ص: 156 ]