المعلم السادس: التوجه نحو تحقيق عالمية الجمال الإسلامي من خلال إنتاجات نوعية ومتميزة:
يثار إشكال آخر يتعلق بثنائية الخصوصية والعالمية في علاقتهما بعلم الجمال الإسلامي؟ هل علم الجمال الإسلامي محلي أم عالمي التوجه؟ ماهي محددات كونه عالميا؟ ومتى نقول: إنه أسير للإقليمية الضيقة؟ وكيف يمكن لهذا العلم أن يحقق عالميته دون ذوبانه في إكراهات العالمية التي تفقده خصوصية المبادئ والمنطلقات التي يتميز بها؟ وكيف يمكن لرواد هذا العلم
[ ص: 160 ] من منظرين ومبدعين، التوفيق بين قيم الإسلام وما يناقضها من قيم الحداثة الغربية التي يتبناها أغلب الجماليين العالميين؟
يقول الدكتور نجيب الكيلاني، رحمه الله: "التراث الجمالي العالمي ملكية شائعة كالدين والفلسـفة والعلوم، لا يحتـكرها شعب دون آخر، ولا تستحوذ عليها أمة دون باقي الأمم، على الرغم من اختلاف اللغات الفنية، وخصوصيتها في التعبير والاستعارة والمجازات المختلفة. ويبقى دائما في الفنون الأدبية عناصر تكاد تكون لازمة لهذا اللون أو ذاك، فللشعر مثلا موسيقـاه وإيقاعـاته وأخيلته، وللقصة أحداثها وعقدتها وشخصياتهـا، ولها بدايتها ونهايتها، وللمسرحية أشراطها الزمانية والحوارية وجاذبيتها الدرامية الخاصة، وهذه كلها ميراث مشترك"
>[1] .
بينا في الصفحات السابقة صحة نسبة صفة "الإسلامي" إلى "علم الجمال"، وعلمنا في التصريح السابق للكيلاني، رحمه الله، أن التراث الجمالي العالمي ملكية شائعة ومشتركة بين ساكنة الأرض، فلم يبق أمام "علم الجمال الإسلامي" إلا الانطلاق نحو غاياته النبيلة تنظيرا وممارسة، من خلال السعي الحثيث، والوعي الصادق، الهادف إلى تأصيل القيم الجمالية، والتأسيس لها قرآنيا، حتى تتخذ لها مواطئ قدم راسخة في سباق التنافس الجمالي المستعر عالـميا، لاستمالة الأذواق والأحاسيس، ومعها ميول الناس واختياراتهم واتجاهاتهم الفكرية والدينية أيضا.
[ ص: 161 ]
وبهذا يصير علم الجمال الإسلامي: "إطارا للتنمية الإنسانية وبناء مجتمع المعرفة الإسلامي، ذلك أن تحققه يعني تكوين منظومة معرفية مؤطرة بالحسن والجمال لكنها ذات جوهر روحي وأخلاقي وإنسـاني ينفتح فيه الإسلام على كمـاله المنتظر، في مجـاله الحيوي البشـري (المسلمون في العالـم)، وفيما لـم يفكر فيه بعد من مشروعات وحلول لمشكلات جديدة يفرضها ما تمارسه العولمة الثقافية من ابتزاز وهيمنة على الثقافات التي توصف الآن بالهامشية بهدف تفتيتها واستيعابها"
>[2] .
وخلاصة القول: إن المعالـم الستة التي اقترحناها أعلاه، تبدو في نظرنا كافية لتسديد مسيرة عـلم الجمال الإسلامي، ومن شأن احترامها والعمل بها أن يضع علم الجمال الإسلامي في المسير الصحيح ليؤدي دوره الرسالي المنتظر، في عالـم يحتاج منتسبوه إلى الارتفاع بأذواقهم عن الماديات، والسمو بأرواحهم إلى مساحات الصفاء المهجورة، وتقويم اعوجاج أنفسهم التي فقدت الاتجاه الصحيح لبوصلة الوجود ومعناه وفلسفته، والتصدي للهجمة الشرسة لثقافة كونية لا تتوقف آلتها عن مسخ إنسانية الإنسان وتشويه فطرته وتصييره آلة للإنتاج والاستهلاك، في غفلة عن مصيره الأخروي، ومتطلبات روحه ووجدانه.
[ ص: 162 ]