1- توحيد مصدر (الآيات) والقراءة الكلية لها:
آيات القرآن كلام الله، أما آيات الأنفس والآفاق فهي مخلوقاته، أي أن مصدرها واحد، فلا تعارض ولا تباين بينهما، فالقرآن يصنع نظرة الإسلام العامة للإنسان والكون والحياة، بل وما وراء الكون والمادة، وقراءة آيات الإنسان والأكوان تساعد على استمطار المزيد من سحب القرآن.
[ ص: 105 ]
ولدور القرآن الكبير في استكشاف مجاهل الطبيعة، ومعرفة مجاهل الإنسان، قال جولن عن هذا القرآن: "الشمس بالنسبة لعالمه النوراني مجرد حشرة مضيئة، والقمر مجرد أرض قفراء وسوداء وقع بعض الضوء على وجهه. هو بلمعانه الظاهري، وعمقه الداخلي، وغنى محتوياته مائدة آتية من وراء السماوات.. مأدبة لا يستغني عنها أحد حتى الملائكة الكرام التي حملتها وتسلمتها من يد ليد كباقة من الورود العطرة حتى وصولها إلينا.."
>[1] .
وعن الطبيعة المودعة في فطرة الإنسان، والطبيعة المتجسدة في هذا الكون بكل ما فيه من كائنات، فإن جـولن يرى أن هذه الطبيعة ليست "إلا نقشا من يد صاحب القدرة اللانهائية وقانونا وضعته يد القدرة الخالقة وكتابا ينطق بحكمته جل وعلا"
>[2] .
ومثلما أن آيات القرآن ناطقة باسم الله، فإن آيات الإنسان والكون تشير إلى الله الخالق اللطيف الخبير.
إن "الذين يتأملون قوانين الطبيعة وقوانين الحياة بعمق ويعرفون قيمتها، يرون في ألوان الزهور وفي حركة الأغصان، وفي هدير الرعود، وفي تغريد الطيور جمالا لا يمكن وصفه، ويرون في كل صوت تقديسا وتسبيحا لصاحب القدرة اللانهائية. ويرون في الضوء والحرارة والجاذبية والعلاقات الكيميائية وفي القوانين التي تحكم الأحياء وتسوقهم آثار تجليات إلهية"
>[3] .
[ ص: 106 ]
ولهذه العلاقة الوثيقة بين الشريعتين، فقد جعل جولن أول شرط من شروط المبلغ لهذا الدين العظيم هو تطبيقه الآيات الكونية الظاهرة في الآفاق والأنفس على الآيات القرآنية المتلوة، ومن ثم صياغة مركب منهما. وبمقدار نجاحه في هذا الميدان يوفق في تبليغه وإرشاده. وبخلافه لا شيء إلا الإسراف له ولمخاطبيه"
>[4] .
ولكي يصل إلى هذا المركب الممزوج بدقة لابد له من إعمال طاقاته كافة في فهم واستيعاب آيات الشريعتين، وهذا هو الشرط الثاني.