4- الموازنة بين (العمل بالأسباب) و (الأمل بالله):

المؤمن الذي يجمع بين عيشه في الدنيا بجسمه، وتحليقه في الآخرة بروحه، يجمع بين العمل بالأسباب لأنها وسيلة اقتحام لعالم الدنيا، والإيمان بالله والأمل بتوفيقه وهدايته وإعانته، لأن ذلك هو السبيل لولوج عالم [ ص: 179 ] الآخـرة، حيث التبـرؤ من الأسـباب، والتعلق بمالك الأسباب القادر على كل شيء.

هذه هي خلاصة الموقف الإسلامي الوسطي من هذه القضية الحساسة، وقد وازن جولن بين الجبرية والقدرية، ففعل الأسباب إلى أبعد حد، واستكمل الإيمان بالله والتفويض إليه والتبرؤ من كل حول وطول >^[1] ، فمن يراه ملحا على استكمال الأسباب بدون أي نقص مهما كان صغيرا يظن أنه معتـزلي، ومن يراه لاجئا إليه تعالى بإلحاح طالبا الغوث والعون والمدد كأنه لم يفعل شيئا يظن أنه صوفي، بالمفهوم التقليدي للتصوف!

وفي هـذا السيـاق لفت الأنظـار إلى المعجـزات والكرامات، وهي أمور خارقة للعـادة، وتجري خارج عالم السنن والنواميس، وكيف أنها لا تتنـزل من قبل صاحب (كن) إلا بعد أن يتم استيفاء الإيمان واستكمال الأسباب >^[2] .

وهكذا، نجح جولن في ارتياد شعب التغيير موازنا بين الدنيوية والأخروية. ولكن كيف تدور عجلة التغيير؟ وهل تنطلق من الداخل أم من الخارج؟.. هذا ما سنستعرضه في موازنة الثنائية السابعة. [ ص: 180 ]