3- تجسير المسافة بين الفرد والمجتمع:
هذه النقطة متممة للنقطة الأولى، لأن التوازن لابد أن يحفظ بينهما، إذ تحت شعارات الوحدة والاعتصام والمصالح الجماعية تم اجتثاث الفرد، وتم قولبة الأفراد في كثير من المجتمعات، ليصبح المجتمع قطيعا يقاد فينقاد، وهذا ألغى الكفايات والمواهب الفردية، وضحى بالحرية على صليب الوحدة، فكانت الثمرة استبدادا وقهرا، والنتيجة هي المزيد من الغثائية والوهن والتراجع الحضاري.
ويمـكن أن يحـدث هذا التجسـير - باختصار شديد - من خلال ما يأتي:
أ- ترتيب التغيير المراد إحداثه مهما كان، من الفرد إلى المجتمع وليس العكس، إذ يجب المواءمة بين حرية الفرد ووحدة المجتمع
>[1] ، وفي قيمة كالوحدة يجب البدء بالفرد، بحيث ننقل الوحدة إلى الفرد، ولا ننقل الفرد
[ ص: 186 ] إلى الوحدة، فالعملية الأولى ذاتية والأخرى خارجية، الأولى تحافظ على الحرية والتنوع والأخرى تقضي على الفروق الفردية، وتصل في الغالب إلى صناعة الفراعنة والطغاة، مهما كانت نياتهم وبداياتهم طيبة!
ب- الميل إلى الحزم والصرامة والقسوة مع الذات، في مقابل إعذار الآخرين واللين معهم، واستدعاء ملكة التسامح إزاءهم
>[2] .
ج- استدعـاء واستشعار روح الأخوة، فالآخر إما أن يكون شريكا في المجتمـع أو الوطن أو الـدين أو الإنسـانية، ومن هنا يدعـو جولن إلى استحضار روح الأخوة، حيث يقول: "لكونك مؤمنا، عليك أن تنظر إلى الدنيا كمهد للأخوة، وابحـث في تأسيس علاقة مع كل كائن"
>[3] . بمعـنى أن الآخر أخوك في الوطن أو في القومية أو في الدين أو في الإنسانية. وهـؤلاء جميعا يجب إبراز القواسم المشتركة معهم، والاتحاد حولها، والتعاون معهم فيها
>[4] .
د- الاجتهاد في تمحور الأفكار والأفعال حول الأمة، بحيث يعمل الفرد على جلب المنافع لأمته ودفع المضار عنها، ويكون شاعرا بأنه عضو في العائلة، وهذا سيوفر جسرا آخر للربط بين الفرد والمجتمع
>[5] .
[ ص: 187 ]
ولهذا قال عن تياره: "طريقنا هو طريق تأييد كل من يقدم خدمة للأمة ويسعى لخيرها ومساندته ومساعدته"
>[6] ، وترجم هذا الأمر إلى منتديات حوار ساهمت بقوة منذ نحو عقدين في صناعة الحس الجمعي، الذي تشهده تركيا في هذه الآونة.
وبسبب الاهتمام البالغ بالخدمة، ومع عدم ممارسة "أبناء الخدمة" للعمل السياسي كحزب، إلا أن جولن حث على الاهتمام بالشأن السياسي ذي الصلة بخدمة الوطن والأمة
>[7] .