ثانيا: مجال تركيز طاقة الإصلاح:
ترتب على اقتصار بن نبي على الفكر بقاء علاقته مع الناس في دائرة الصفوة، فكتاباته لا يعرفها ولا يفهمها إلا المثقفون، أما عامة الناس فلم يصل صوته إليهم ولا يعرفون عنه شيئا.
أما جولن فقد أحسن تربية الصفوة التي تأثرت بكتاباته حتى صنع منها جسورا للعبور إلى عامة الناس. وساعده على ذلك أنه بدأ دعوته كواعظ في
[ ص: 217 ] المساجد أجاد استفزاز العقول واستثارة القلوب، وأتاحت له مواهبه وإخلاصه الإيماني إشاعة هالة من النور والتأثير، إضافة إلى تركيزه على الأثرياء وعنايته بهم، وهم الذين سيتولون بناء مؤسسات الخدمة التربوية والاجتماعية والإعلامية والاقتصادية.
هذه المؤسسات صارت أبوابا واسعة لولوج الخدمة إلى الناس، وعبور الجماهير إلى الخدمة، مما زاد من اهتمام جـولن بالقضايا التي تـهم الناس، بما فيها القضايا والاهتمامات الصغيرة، مع قدرة فائقة على ترتيب الأولويات.
ورغم كثافة القضايا التي أثارت اهتمـام جولن إلا أنه ظل متحكما بها من خلال منهج التوازن الذي امتاز به، حتى في مسائل دقيقة مثل التوازن في الأكل
>[1] ، والتوازن البيئي، حيث وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه رجل توازن، ولذلك لم يأمر بقتل الكلاب
>[2] ، وحث على المحافظة على التوازن البيئي، واستنكر قتل الحشرات بالمبيدات باسم العلم
>[3] .
وهكذا تركزت الطاقة الإصلاحية عند مالك على الصفوة أو الملأ، بينما تعدى جولن هؤلاء إلى الجمهور والقاعدة، مستعينا بالتربية والتعبئة، التربية للصفوة والتعبئة للعامة.
ولهذا - مرة أخرى - عرف بجانب كونه مفكرا كواعظ وداعية ومربي، وأهله ذلك كله ليكون مجددا ومصلحا اجتماعيا، ساهم بقوة في تلوين وجه تركيا المعاصرة وصياغة مستقبلها المأمول.
[ ص: 218 ]