سابعا: طبيعة اللغة المستخدمة في الكتابة:
استخدم ابن نبي لغة فكرية منضبطة، واستفاد من الأسلوب العلمي في الكتابة بما يشتمل عليه من وضوح ودقة من جهة، ومن جفاف ومحدودية من ناحية أخرى. ونجح بجانب ذلك في ابتكار مصطلحات كثيرة، بعضها وجد رواجا في عالم الفكر الإسلامي المعاصر، مثل مصطلح (القابلية للاستعمار).
أما لغة جولن فهي لغة أدبية راقية، مليئة بالصور والتشبيهات الجميلة والمصطلحات العذبة، وامتلك قاموسا ثريا ومعجما غنيا، ولغزارة المصطلحات التي ابتدعها اقترح بعض الباحثين إيجاد قاموس لها.
وقد تفوق بالذات في قدرته الفائقة على النحت اللغوي وإبداع الصور والاستعارات والتشبيهات، واجتهد في إحياء كثير من المفردات العثمانية التي كادت أن تموت في اللغة التركية بعد أن كتبت بالحروف اللاتينية. [ ص: 227 ]
غير أن الواقـع يقول: إن اللغـة الأدبية المحلقة في سماء الإبداع بقدر ما تكون نقطة قوة لأصحابها، يمكن أن تصبح نقطة ضعف في بعض الظروف، لأنها تحتمل العديد من التأويلات والتفسيرات، كما حدث لأسلوب سيد قطب - رحمه الله - الكتابي، الذي أسيء فهمه من قبل كثيرين، وبسبب ذلك قول ما لم يقـل، ونسبت له انحرافات عدة، وألصقت به عدد من التهم بدون أي سند برهاني، فقط اعتمادا على تلك القراءات العوراء لكتاباته الجميلة!
وربما كان أحد أسباب نبوغ جولن الكتابي إتقانه لعدد من اللغات، بينما أتقن مالك الفرنسية فقط بجانب لغته الأم التي لم يكتب بها إلا القليل من كتبه، بعد أن أتقنها في القاهرة سنة 1956م، وقبلها كانت عربيته قد خارت أمام مطارق اللغة الفرنسية وكادت أن تموت.
أما جولن فقد كان شديد الاعتزاز بلغته التركية، التي كتب بها سائر كتبه، وأعاد لها شبابها، وأحيا ما اندثر من مفرداتها وأساليبها، حتى أصبح أحد أساطينها في هذا العصر، بل أدى انتشار كتبه وتلاميذه من "أبناء الخدمة" وتجارها في شتى أوطان العالم، إلى إيجاد دافعية عند الآلاف من الناس لتعلمها. [ ص: 228 ]
التالي
السابق