خاتمة
في ختام هذه الجولة في رحاب الأصول الشرعية المؤسسة للعطاء الحضاري للكفاءات المسلمة المهاجرة في المجتمعات التعددية، أود تقرير ما يلي:
إن حقيقة العطاء الحضاري للكفاءات المهاجرة يمثل حاجة اجتماعية وحضارية إنسانية حقيقية، منشؤها الفطرة الإنسانية، ومستندها شريعة الإسلام الخاتمة، كتابا وسنة، نصا ومقصدا، ولا ينبغي أن يشوش على هذه الحقيقة ما يتعرض له المسلمون أحيانا من صور الظلم والكراهية في بعض المجتمعات الغربية.
فأصالة مطلب العطاء الحضاري للمسلمين بين الناس ثابتة في وحي الله، كتابا وسنة، ذلك أننا تتبعنا منهج القرآن الكريم في بناء مبدأ العطاء الحضاري فألفيناه في غاية الوضوح والشمول مع العمق، حيث حظي هذا المفهوم ببناء متين على أصول مكينة، وبحثنا في السنة فوجدناها أرست المفهوم على أسس تشريعية مفصلة حكيمة أتمت البناء على نحو شامل ومتكامل فجاء البنيان راسخا وشامخا. [ ص: 98 ]
فهذا التأسيس التأصيلي لمفهوم العطاء الحضاري على هذا المنهج الشامل والمتكامل يجعل المسلمين أقوى من غيرهم في إدارة حوار الثقافات والتواصل بين مختلف الحضارات من منطلق حضاري وعلمي ودعوي متين، كما أن تشبع المسلمين بما قررته الشريعة في موضوع الاندماج الاجتماعي على أساس العطاء الحضاري يؤهلهم موضوعيا لحسن تدبير الاختلاف مع المخالفين في مجتمعاتهم التعـددية، فالذي لا يقوى على بناء الائتـلاف مع المخـالف حقيقة وصدقا لا يستطيع أن يحسن تدبير الاختلاف معه، فحاجة الإنسانية في العالم الآن إلى من ينشر فيها دعوة بناء الائتلاف وتدبير الاختلاف ملحة، وأقوى مرجعية حضارية قادرة على تلبية هذه الحاجة وبناء السلم الاجتماعي والعالمي الذي تنتقل الإنسانية بموجبه من واقع الكراهية والاقتتال والاحتراب، إلى أفق التعاون والتكامل هي المرجعية الإسلامية بلا منازع.
ولعل القيام بهذه الفريضة الدعوية الحضارية في خدمة المجتمعات الإنسانية يفتح آفاقا واسعة جديدة من التمكين الحضاري للأمة الإسلامية، خصوصا بعد أن تزول الحواجز وتقل العوائق التي تحول بين الناس وتلبية حاجاتهم من حضارة الإسلام، وينكشف باطل التآمر على المسلمين وثقافتهم الذي تقوده بعض الدوائر الغربية.
ومن القضايا التي أثارها البحث في موضوع التأسيس الشرعي للعطاء الحضاري للكفاءات المهاجرة وتستدعي من الباحثين تفصيل القول فيها: [ ص: 99 ]
القضية الأولى: وهي بيان الحاجات الاجتماعية والدعوية والعلمية والعملية الماسة إلى بناء فقه الاندماج الاجتماعي الإيجابي والتواصل الحضاري بين المسلمين وغيرهم، جمعا وتأصيلا وتقعيدا وتنـزيلا.
القضية الثانية: هي الإجابة عن سؤال العلاقة بين المؤتلف والمختلف بين المذاهب والطوائف داخل المجتمع الواحد؟
والقضية الثالثة: هي ضوابط توظيف مبدأ الاندماج الاجتماعي في بناء جسر التعارف والتعاون بين أطراف الخلاف داخل المجتمع الواحد.
والقضية الرابعة: تتعلق بالوسائل العملية والمداخل الثقافية والتربوية التي من خلالها يتم تجاوز حالة الاضطراب المعرفي والخلط العلمي والاهتراء التنظيمي للمسلمين في المجتمعات الغربية.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. [ ص: 100 ]
التالي
السابق