- الأسس التي تقوم عليها الأخلاق في الإسلام:
وانطلاقا مما ذكر، واستقراء من عموم أقواله صلى الله عليه وسلم وممارساته يمكن رصد عدد من الأسس، التي تقوم عليها تلك الجوانب الأخلاقية في تعاملاته صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك:
- الإنسان مخلوق مكرم، ومكانته محترمة في الإسلام:
ولقد أسجد الله ملائكته للإنسان حين خلقه، قال تعالى:
( إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين *
فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين *
فسجد الملائكة كلهم أجمعون ... ) (ص:71-73)، وهذا السجود سجود إكرام وإعظام واحترام، كما ذكر المفسرون
>[1] . وجنس الإنسان مكرم، وله منـزلة خاصة بين مخلوقات الله عز وجل، قال تعالى:
( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) (الإسراء:70)، ولقد كرم الله عز وجل هذا المخلوق البشري على كثير ممن خلق وفضله على كثير منهم. كرمه بهيئته، وتسويته، وفطرته، وخلافته في الأرض، وبتسخير الكون له، وكرمه بإعلان ذلك التكريم وتخليده في كتابه العزيز، كما خص الله عز وجل الإنسان بميزة جعلته من أشرف المخلوقات، وهي العقل.. وإلى جانب ذلك، فالإنسان يمتاز بما اختص به من تركيب جسماني
[ ص: 64 ] خاص يسهل له القيام بمختلف الأعمال، التي يمارسها كالاعتدال والاستواء، ذلـك أن الله خلق كل شيء منكبا على وجهه وخلق الإنسان مستويا
>[2] .
ومن هنا، فجنس الإنسان مكرم وله منـزلته المحترمة، وله كرامته المصونة المعتبرة، والفئات الأسرية لها حق خاص في هذا التكريم، ومما يزيد في تكريم هذه الفئات الأسرية، وشائج القربى، يقول الله عز وجل:
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) (النساء:1). قال ابن كثير: "أي كما يقال: أسألك بالله وبالرحم. وقال الضحاك: واتقوا الله الذي به تعاقدون وتعاهدون، واتقوا الأرحام أن تقطعوها ولكن بروها، وصلوها"
>[3] .
- المجتمع المسلم مجتمع متراحم متماسك:
وهو كذلك مجتمع متواد متعاطف متكاتف متعاون: قال تعالى:
( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ) (الفتح:29)، ويصف الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمنين بأنهم كالجسد الواحد، وذلك فيمـا رواه النعمان بن بشير، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قـال:
( ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتـكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى ) >[4] .
[ ص: 65 ]
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) >[5] ، وذكر جرير بن عبـد الله رضي الله عنه قول الرسـول صلى الله عليه وسلم :
( لا يرحم الله من لا يرحم الناس ) >[6] .
ومن هذا الأس، الذي يحث على التراحم والرحمة، تقوم كثير من العلاقات الأسرية في المجتمع المسلم، حيث الالتزام بتعليمات دينهم الحنيف الحـاثة على التراحم والتواد. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي العمل أفضل؟ قال:
( أفضل العمل أن تدخل على أخيك المؤمن سرورا، أو تقضي عنه دينا، أو تطعمه خبزا ) >[7] .
- إن جزاء الإحسان في الإسلام الإحسان:
قال الله تعالى:
( وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين ) (النحل:30)، وقال عز من قائل:
( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) (الرحمن:60)، أي هل جزاء من أحسن في عبادة الخالق، ونفع
[ ص: 66 ] عبيده، إلا أن يحسن خالقه إليه بالثواب الجزيل، والفوز الكبير والنعيم والعيش السليم
>[8] ؟
وبعد، فهذه أبرز الأسس التي تقوم عليها التعاملات الأخلاقية في السيرة النبوية، ومنها تنطلق الممارسات الراقية التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعامل بها مع من حوله من أفراد أسرته ومن في حكمهم.
وتسهيلا للعملية التطبيقية لممارسة الجانب الأخلاقي في التعاملات الأسرية، ولتحقيق هدف من أهداف هذا الكتاب وهو الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم ، سيـكون الحديث في المباحث الآتية، عن حقوق كل فئة أسرية كان للرسول صلى الله عليه وسلم قد تعامل مباشر معها، وسيتم عرض الجانب النظري والتأكيد القولي له صلى الله عليه وسلم ، من خلال أحاديثه صلى الله عليه وسلم ، وأفعاله، مع التسليم أن حثه، عليه الصلاة والسلام، لأي فضيلة من الفضائل، أو لأي فعل محمود يعني فعله من قبله صلى الله عليه وسلم ، حتى ولو لم ترد إلينا الحوادث العملية، أو الروايات الفعلية لممارساته صلى الله عليه وسلم .. فعندما يأمر صلى الله عليه وسلم بأي فضيلة، أو فعل "فلا بد وأنه كان ملتزما به وفاعلا له، فما كان صلى الله عليه وسلم ليأمر بشيء، ثم لا يفعله"
>[9] . ولا يمكن أن يتصور ذلك وهو يتلو قول الله عز وجل:
( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون *
كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) (الصف:2-3).
[ ص: 67 ]