الفصل الثالث
أثر الالتزام بالحقوق والواجبات
في أمن المجتمع وسعادته
إن التعاملات الأخلاقية، التي سبق ذكرها والتي ينبغي أن يتعامل بها المسلم اقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم ، وتحقيقا لمقاصد الشريعة الكبرى في الحياة، سواء كانت هذه التعاملات الأخلاقية موجهة للوالدين، أم لذوي الأرحام، أم للزوجات والأبناء، أو من يعمل في البيت، فكل هذه التعاملات تعمل بشكل مباشر على تأسيس بناء أخلاقي مترابط في النواة الأولى للمجتمع وهي الأسرة.
وفي تماسك الأسرة تحقيق لمكاسب أخرى مترتبة على ذلك الالتزام الأخلاقي بين أفراد الأسرة، فالصغير يوقر الكبير، والكبير يعطف على الصغير، والزوج يحنو على زوجه، والأب يهتم بأمر ولده وخدمه، وهكذا في منظومة تربوية متكاملة يؤسس لها الإسلام من خلال تشريعاته القولية من القرآن والسنة، ومن خلال أوامر النبي صلى الله عليه وسلم القولية والترجمة العملية لها، ليصل في النهاية إلى تحقيق صلاح الأسرة ذاتها، وتكوين محاضن تربوية في المجتمع تعمل عملها: الاجتماعي، والتربوي، والنفسي في أفراد المجتمع، صغارا وكبارا، لكي يخرج لنا كيان مجتمعي يحقق الغاية من وجوده في هذا الكون، وهو تحقيق العبودية لله عز وجل، قال تعالى:
( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) (الذاريات:56).
[ ص: 171 ]
لقد حرص الإسلام على تماسك المجتمع، ووحدته، وتماسك أركانه، ذلك أن المجتمعات لا يمكنها الوقوف في وجه المتغيرات بأنواعها المختلفة: الاجتماعية، والثقافية والاقتصادية، والأمنية، إذا لم يكن هناك ثمة وحدة صف، أو ترابط ظاهر وباطن في المجتمع، وتعد الأسرة المرتكز في هذا الترابط وأسه المتين، فلا يمكن تصـور الكل وهو متماسك دونما تلاحم في الجزء، ولا يمكن للمجتمع الكلي التماسك، دونما لحمة في مكونه الرئيس، الأسرة. من هنا نجد التأكيد المبكر في حياة الإنسان على اختيار نواة الأسرة الصالحة، التي تمثل ركنها الثاني وهي الزوجة في قوله صلى الله عليه وسلم :
( تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك ) >[1] . ثم الحرص على حسن تربية الأبناء، والقيام بحقوقهم كاملة لينشأوا النشأة الإسلامية الصحيحة، حيث يعد ذلك مقصدا أساسا من مقاصد الشريعة في النكاح والزواج والتي تتمثل في "سد الحاجات الجنسية وصيانة الفروج والعورات وحفظ الأعراض والأنساب، ومنع الفتن والرذائل والمنكرات، وفوق ذلك كله تتمثل هذه المقاصد في تحقيق النسل وإيجاد الولد الصالح.. الذي سيكون النواة الإسلامية للأسرة الصالحة، التي ستشكل القاعدة الضرورية لقيام الأمة الصالحة، التي هي خير أمة أخرجت للناس"
>[2] .
[ ص: 172 ]
ولأجل تلك المقاصد العظمى أخذت أحكام الأسرة في الفقه الإسلامي حيزا واسعا، شرحا وتفصيلا، لذا لا عجب أن نجد من يعتبر أحكام الإسلام في نطاق الأسرة أقرب إلى العبادات منها إلى المعاملات، وذلك بالنظر إلى المفهوم الواسع للعبادة والذي سبقت الإشارة إليه، بأنـها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمـال، الباطنة والظاهرة، وذلك عائد لما يوليه الشرع من أهمية لموضوع الأسرة وترابطها، وديمومتها في أمن وسلام، فضلا عن أحكام نظامها، ذلك أن "نظام الأسرة في الإسلام إنما هو لبنة في النظام الإسلامي المتشابك المتكامل، فهو وثيق الصلة بالبناء الإسلامي للمجتمع، سواء في مجال العقيدة، أو الشريعة، أو الأخلاق.. وتخضع لحقوق وواجبات عينية وكفائية، ويحكمها ما يحكم المجتمع الإسلامي كله.. ومن هنا فإن تداعي الأسرة من شأنه أن يقوض دعائم المجتمع، بل من شأنه أن يفسد مسار الحضارات"
>[3] .
إن الحقوق والواجبات الأسرية إنما شرعت لصلاح الأسرة ابتداء، والمجتمع انتهاء، ولا يتصور صلاحهما دونما نظام أخلاقي يضبط هذه العملية الإصلاحية ويوجهها، ويأتي على رأس هذه الحقوق التعاملات الأخلاقية بين أفراد الأسرة الواحدة، ومن هنا نجد أن الإسلام حرص كل الحرص على أداء الحقوق الواجبة على المسلم، بغض النظر عن تعامل المقابل له، فيبدأ بالدائرة الكبرى، وهي مجال الطاعة لولي الأمر، حيث نجد التوجيه بالطاعة وأداء ما على المسلم
[ ص: 173 ] وترك حساب الطرف الآخر إلى الله عز وجل، ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه حين تباين الرايات واختلاف الولاءات:
( إنه سيـكون عليكم أمراء، وترون أثرة، قـال: قالوا: يا رسـول الله، فما يصنع من أدرك ذاك منا؟ قال: أدوا الحق الذي عليكم وسلوا الله الذي لكم ) >[4] .
وفي المجال الشخصي أمر صلى الله عليه وسلم بالقيام بما هو على المسلم، و ألا يكافأ الشر بالشر، قال صلى الله عليه وسلم :
( أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ) >[5] . كما حث الإسلام على أن يوطن المسلم نفسه على الخير دون أن يتأثر بالبيئة حوله، وفي ذلك يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم :
( لا تكونوا إمعة تقولون: إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا ) >[6] .
إن الإسلام حين يطالب أفراده القيام بالحقوق التي عليهم إنما يهدف من وراء ذلك المبادأة بالخـير من كل طرف ليقـابله الطرف الآخر بمثله، أو يدفع به شره على أقـل الأحـوال، يقول تعالى:
( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) (فصلت:34). يقـول ابن عطية في تفسير هذه الآية:
[ ص: 174 ] إنها "جمعت مكارم الأخلاق وأنواع الحلم. والمعنى: ادفع أمورك وما يعرض لك مع الناس ومخالطتك لهم بالفعلة أو بالسيرة التي هي أحسن الفعلات والسير.. أما قوله تعالى عن العدو
( كأنه ولي حميم ) فأدخل كاف التشبيه؛ لأن الذي عنده عداوة لا يعود وليا حميما، وإنما يحسن ظاهره فيشبه بذلك الولي الحميم"
>[7] ، وهذا مطلب في حد ذاته، وهو إطفاء العداوة بين المسلمين.
إن الإسلام حريص كل الحرص على جمع الكلمة وإظهار وحدة المجتمع المسلم وتماسكه، بل يسعى إلى ذلك بشتى الطرق وبالحث المباشر، ومن ذلك قول المصطفى صلى الله عليه وسلم :
( المسلم إذا كان مخالطا الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ) >[8] . فالإسلام دين اجتماع، ومجتمعي ويكره الانفراد والانعزال، ويحث على التخالط والتحاب، ودل أتباعه على الأفعال التي تؤدي إلى التحاب، وعدها من صميم الإيمان، وإن كانت يسـيرة في نظر بعض المسلـمين الآن، فمـن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :
( لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم ) >[9] . وهذا أمر يسير ولكن أثره عظيم في منتهاه، فهو يبدأ بإفشاء السلام وينتهي بالمؤمن بدخول الجنة.
إن هذا الترابط في المجتمع، الذي ينشده الإسلام لا يمكن تصوره دون أن يكون هناك ترابط في الأسرة ذاتها، وترابط الأسرة سـواء الصغيرة منها،
[ ص: 175 ] أو الكبيرة في محيط الأقارب عامة، لا يكون إلا بكسب القلوب واستجلاب محبتها، وهذا لا يكون بالأموال، ولكن كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم :
( إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق ) >[10] . والأسرة هي المنشأ لهذه الأخلاق، وهي الحاضنة لها، وفيها يكون تعلمها ابتداء ثم العمل معها، وفيها، ومن خلالها. وقد تكون تعودا في بداية الأمر ولكن ما تلبث إن تكون تعبدا لله عز وجل، فالأسرة تقوم بدور مهم في عملية التنشئة الاجتماعية، ذلك كونها المحيط الأول الذي ينشأ فيه الطفل ويقضي فيه معظم وقته إن لم يكن كله في سنواته الأولى، "وقد أجمعت الخبرات الإنسانية ودلت تجارب العلماء على ما للتربية في الأسرة من أثر عميق وخطير يتضاءل دونه أثر أي شيء آخر في تحديد الشخصيات وتشكيلها.. وتتركز خطورتها في أن ما يغرس في ثنايا السنوات الأولى من حياة الطفل من خلال الأسرة من عادات واتجاهات وعواطف يصعب تغييره أو استئصاله، ومن ذلك القيم الخلقية"
>[11] .
إن هذه القيم الخلقية، التي يتعلمها الطفل في الأسرة والتي نحن بصدد الحديث عنها، حيث يتعلم الطفل من محيطه الأسري تلك الأخلاق الحميدة، أو يتعلم ضدها، فالأمر لا يتوقف على مجرد الممارسة من الأبوين فحسب،
[ ص: 176 ] بل يستتبع ذلك، تعلم الأبناء أنفسهم لتلك الممارسات. وحسبك في ذلك حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم :
( من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء ) >[12] . ومن هنا فإنه كلما كانت الأسرة متمسكة بدينها، ومن ذلك التعامل الأخلاقي في محيط الأسرة، انعكس ذلك على تربية الأطفال، ويحكمون الدين ومبادئه وأحكامه في تصرفاتهم وممارستهم المستقبلية، فسلوك المستقبل ما هو إلا نتاج تربية الحاضر، وإن خيرا فخير وإن شرا فشر، والله المستعان.
إن مما لاشك فيه أن التعامل الأخلاقي من قبل المسلم تجاه أفراد المجتمع سيؤدي بالضرورة إلى انتشار الاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع، والاحترام المتبادل بين المسلمين خلق متولد من التعامل الأخلاقي، وهو صورة من صور التراحم، وجانب من جوانبه، والتراحم من الخلق، الذي حث عليها الإسلام في أكثر من موطن، بل وامتدح القرآن الكريم المجتمع المسلم الأول بأنه متراحم فيما بينه، فقال تعالى:
( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ) (الفتح:29). فأثنى عليهم الله عز وجل بكونهم رحماء بينهم مقابل الشدة على الكفار. كما أوصى الله عز وجل المسلمين بالتواصي
[ ص: 177 ] بالتراحم، قال عز من قائل:
( ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ) (البلد:17). أي "أوصى بعضهم بعضا بالصبر على الإيمـان والثبات عليه.. وأن يكونوا متراحمـين متعـاطفين. أو بما يؤدي إلى رحمة الله"
>[13] . ولاشك أن مما يؤدي إلى رحمة الله الخلق الحسن وانتشاره بين المسلمين، وشيوعه بينهم.
إن الإسلام يريد أن يصل بالمجتمع لكي يكون كيانا واحدا، يؤلمه كله ما يؤلم بعضه، فيصف الرسول صلى الله عليه وسلم المجتمع المسلم بقوله:
( ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى ) >[14] . ويقول صلى الله عليه وسلم :
( المسلمون كرجل واحد، إن اشتكى عينه اشتكى كله، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله ) >[15] . والوصف بليغ في هذا التشبيه من المصطفى صلى الله عليه وسلم ، حيث يتأثر الجسم بكامله إذا اشتكى عضو من أعضائه، فكأن الأمر دعوة إلى الفرد لكي يصلح نفسه ومن حوله من أفراد أسرته حتى لا يؤثر على سائر المجتمع، وكذلك الأمر ينصرف إلى المجتمع أن يأخذ بيد الفرد أو الأسرة لتصلح لكي لا تؤثر على نفسها وعلى المجتمع كذلك، ومن هنا كانت شعيرة الأمر بالمعروف والنهي
[ ص: 178 ] عن المنكر لها مكانتها في الإسلام، قال الله عز وجل:
( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) (التوبة:71)، وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم :
( والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم ) >[16] .
إن مكارم الأخلاق من الضرورات الاجتماعية، التي لا يمكن لمجتمع من المجتمعات أن يستغني عنها بحال من الأحوال، ذلك أن أفراد المجتمع لا يمكن لهم العيش دون وجود حد أدنى من التفاهم والتعاون القائم على الأخلاق، والتعامل الأخلاقي فيما بينهم، "ولقد دلت التجارب الإنسانية والأحداث التاريخية على أن ارتقاء القوى المعنوية للأمم والشعوب ملازم لارتقائها في سلم الأخلاق الفاضلة، ومتناسب معه، وأن انهيار القوى المعنوية للأمم والشعوب ملازم لانهيار أخلاقها ومتناسب معها، فبين القوى المعنوية والأخلاق تناسب طردي دائما، صاعدين وهابطين"
>[17] .
ومن هنا لا عجب أن نجد الحرص في التشريع الإسلامي على مكارم الأخلاق، والحث عليها، وعلى التلبس بها، وجعلها الأساس في تعامل المسلمين فيما بينهم، وتأكيده الضمني على أنها بناء الأمة وأس حضارتها، وحافظة مجتمعها من الانهيار الداخلي، الذي قد يكون هو المقدمة للانهيار الخارجي.
[ ص: 179 ]
إن مما تجدر الإشارة إليه، والتأكيد عليه مرارا أن أزمة الأمة الإسلامية في وقتنا الحاضر هي أزمة أخلاق، بدرجة كبيرة، فكم يلحظ الناس التفاوت بين تعاليم الإسلام، التي يأمر بـها الإسلام قولا وفعلا، في المجال الأخلاقي، في حين يجد أن الأثر التنفيذي لها على أرض الواقع قد يشوبه الكثير من التقاعس أو الضعف، ومن المجزوم به أن الناس تنظر إلى السلوك الخلقي قبل الاستماع إلى النصيحـة القولية، وأن آذانهم - في الغالب - صم حتى يروا ما يسرهم من خلق فاضل، وهذا يستدعي التواصي على تحقيق تلك الفضائل الأخـلاقية، وجعلها وسيلة للدعـوة إلى الإسـلام، فكم من أفراد وشعوب انضووا تحت لواء هذا الدين من خلال موقف أخلاقي لمسلم من المسلمين، سواء في مظهر من مظـاهر البر بالوالدين، أو تقدير لكبير في السن، أو رعاية لحق مخـدوم، أو غيرها من الممارسات الأخلاقية السوية، التي تألفها الفطرة السليمـة، وتحن إليهـا النفس البشرية بغض النظر عن الديانة التي تعتنقها.
فكيف إذا تصاحب مع ذلك أجر عميم في الدنيا والآخرة، ورضى من الخلاق الكريم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وليت الأمر يتوقف عند هذا، بل الخوف أن الذي يقول خيرا ثم يفعل نقيضه من الشر أن يكون ممن عناهم الله عز وجل في قوله:
( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون *
كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) (الصف:2-3). أو في قول المصطفى صلى الله عليه وسلم :
( يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى [ ص: 180 ] في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلان، ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه ) >[18] .
إن المجتمع الذي تنتشر في الأخلاق الفاضلة، والسجايا الكريمة قلما نجد فيه الانحرافات الأخلاقية، ذلك أن أفراده يرتدعون عن أمور كثير من المقبوحات السلوكية، بسبب الالتزام الأخلاقي فيما بينهم، ويتحلون بمحاسن الأخلاق انطلاقا من وازع ديني ذاتي، وهذا ما تتصف به الأخلاق الإسلامية، حيث إنها تخرج من المسلم تدينا، وعبادة إلى الله عز وجل، في السر والعلن، مع وجود الرقيب، وبدونه.
وهذا بدوره يؤدي إلى تحقيق الاستقرار الاجتماعي وعدم شيوع روح التذمر في المجتمع، وذلك لشعور أفراده بقيمهم الذاتية والمجتمعية نتيجة لذلك التعامل الأخلاقي الأصيل، كما يؤدي ذلك التعامل الأخلاقي الراقي بين أفراد المجتمع إلى شيوع روح التراحم والتواد بين أفراد المجتمع وحمايته من الأمراض الاجتماعية، التي تنشأ عادة في المجتمعات التي تسود فيها روح الأنانية المادية والتناحر بسبب سوء التعامل بين أفراده.
[ ص: 181 ]
كما يعمل حسن الخلق بشكل عام على تعزيز روح الانتماء المجتمعي بين أفراد المجتمع وشعورهم بأنهم جزء من جسد واحد تحقيقا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه:
( ترى المؤمنين في تراحمهم، وتوادهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى ) >[19] .
وهذا الشعور بالانتماء يشمل الطرفين، المتعامل بالأخلاق الحميدة، ومن يتم التعامل معه بتلك الأخلاق الحميدة، فالأول استشعر دوره المناط به في المجتمع وقام بدوره بالتحلي بالأخلاق الحسنة، والثاني يستشعر بعين التقدير مدى حاجته للانتماء لجسد المجتمع الواحد من خلال الالتزام بالخلق الحسن، لتحقيق الترابط المجتمعي المنشود في الأمة المسلمة.
والله الموفق.
[ ص: 182 ]