مقدمة
الحمد لله نحمـده ونستعينـه، ونستغـفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
فالعلم الشرعي من أشرف ما ينشغل به الإنسان تعلما وتحصيلا، فطالب العلم في سبيل الله حتى يرجع، والملائـكة تضع أجنحتها له؛ رضا بما يصنع، وفضل العلم خير من فضل العبادة، واتبع موسى عليه السلام خضرا ليتعلم منه رشدا.
وتعليـم العلـم وظيفة الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم نفسه بقوله:
( إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم ) (أخرجه أبو داود)، وبقوله:
( إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما ميسرا ) (أخرجه مسلم).
[ ص: 29 ]
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الملائكة تصلي على معلم الناس الخير، وأن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب.
والتعليم الشرعي هو أداة نشر الدين، وإقامة الشريعة والملة، وبه يعرف الناس ربهم عز وجل، وأحكام عباداتهم ومعاملاتهم، والحلال والحرام، ومنذ الصـدر الأول وإلى يومنا وما بعـده بإذن الله والأمة تعنى بالتعليـم الشرعي؛ فأهـل العلم يتطوعون لتعليمـه، ويتلقى الأصاغر عن الأكابر، وينفق الموسرون من المسلمين على مدارس التعليم الشرعي ومؤسساته.
وهو مـع ذلك كله عمل بشري، يحتاج إلى المراجعة والتقويم، والتطوير والارتقاء.
والكاتب وإن كان يرى نفسه بحق ليس معـدودا من طلبة العلم الشـرعي ولا المختصـين فيه، إلا أنه ليس مقطوع الصلـة به؛ فقد درس في المرحلة المتوسطـة والثانوية في المعاهد الشرعية، وفي كلية الشريعة، ودرس العلوم الشرعية في المعاهد الشرعية عشر سنوات، ودرس ودرس في المساجد والدورات العلمية، وعمل في تطوير مناهج العلوم الشرعية في المعاهد الشرعية، وفي التعليم العام، وفي عدد من المؤسسات التطوعية، كما كانت دراسته في الماجستير والدكتوراه في مجال مناهج العلوم الشرعية وطرق تدريسها.
[ ص: 30 ]
وهذا كله يفرض عليه واجبا تجاه الإسهام الإيجابي في تطوير التعليم الشرعي والارتقاء به، مما دفعه للجرأة على هذه المحاولة.
وكنت وأنا أسـطر صفحات هذا الكتاب أجد حالي كحال الطاهر ابن عاشور، رحمه الله، حين قال في تقدمة كتابه: (أليس الصبح بقريب): "ولطالما كنت أقدم رجلا وأؤخر أخرى، وأعلم أن نور عقلي هو دون إضاءة هاته المجاهل التي صفدت عليها منافذ الأنوار والأهوية الخالصة، فامتلأت بالحوامض الرديئة منذ أزمان.
وإذ قد كان من المعلـومات المسلمـة أن الله تعالى استخلفنا في الأرض، ومن علينا بنور العقـل، ونبهنا باختلاف النظام في الدنيا إلى أحوال الرقي والانحطاط، وقال:
( انظروا ماذا في السماوات والأرض ) (يونس:101)، فما إغراقنا في هذا السبات العميق؟
إذن كان واجبا علينا خدمة للملة، وتهيئة للنشأة العلمية التي تزين مستقبلنا، وتمجد ماضينا، أن ندخـل تلك المجاهل؛ نرفع بإحدى يدينا مشاعل النور، ونقطع بالأخرى ما يمانع من حجرات العثور، فإن لم نصل بعد إلى غاياتها فعسـى أن لا نبعد، وإن سلمنا من أن نشقـى باللئام فما ضرنا أن لا نسعد، ولنا في ذلك كله معذرة العارفين وشهادة أو تزكية المنصفين". (ص 7-8).
[ ص: 31 ]
وإني والله لعلى يقين أن القائمين على كثير مما انتقدته من مناهج التعليم الشرعي لهم أكثر حرصا وصدقا في نشره، وأصدق لهجة وتعبدا، فضلا عن الفقه والعلم، والاستدراك لا يعني تزكية النفس، ولا ادعاء التميز أو انتقاص الآخرين.
إنها أفكار ورؤى وخواطر من محب للعلم الشرعي وأهله، اجتهد فيها، سـائلا الله، عز وجل، أن يوفقه فيهـا للصـواب، ويدله عليه، وألا يحرمه أجر نية الخير وإرادته، وما أصاب فيه فهو بتوفيق الله ومنه وفضله، وما أخطأ فمن نفسه والشيطان، حمانا الله شر أنفسنا، وألهمنا رشدنا، ووفقنا للخير، وأعاننا عليه.
[ ص: 32 ]