المنهج الخفي
المنهج الخفي من المصطلحات التي كثر الحديث حولها مؤخرا في وسائل الإعلام في إطار الحديث عن ظاهرة العنف، وكثير مما يقال هو خلط للمصطلحات، وهو خارج المصطلح العلمي.
والحديث الإعلامي عن "المنهج الخفي" لا يعنينا هنا، إنما يعنينا المصطلح العلمي.
يعرف اللقاني والجمـل "المنهج الخفي" بأنه: "المنهـج غـير المخطط، والذي يؤثر في سلوكيات الطالب بجوار المنهج المعلن، وذلك من خلال البيئة المدرسية التي يعيشها الطلاب، أو المؤثرات الخارجية الأخرى، سـواء أكان بوعي منه أو بغـير وعـي، ويساهم بطريقة فعالة في تنمية بعض الاتجـاهات والقيم التي قد تتعارض أو تتفق مع ما يقدمه المنهج المعلن" (ص183).
إذا هو موقف غير مقصـود وغير مخطط له، يقود إلى أن يكتسب المتعلـم سـلوكا غير مقصـود من المعـلم، سـواء أكان هذا السلوك إيجابيا أو سلبيا. [ ص: 79 ]
ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
- طبيعة العلاقة بين المعلم - أو الشيخ - والمتعلم؛ فقد يكون هناك إفراط في رسم صورة عالية من الأدب بين المتعلم والشيخ، والأدب ممدحة ومطلب، لكن تطبيقاته قد تقود إلى القضاء على شخصية المتعلم، فيرى أن الأدب يقتضي ألا يناقش شيخه، وألا يعترض على رأيه، وألا ينتقده.
إن جرأة صغار الطلبة على أهل العلم منقصة، وإطالة اللسان في الحديث عنهم معيب، ولكن: لابد أن يفرق المتعلم بين الأدب والتقدير الشخصي، وبين التعامل مع أقوال الشيخ وأفكاره وآرائه.
- النظام السائد في البيئة التعليمية؛ فالنظام الذي يسود في المدارس والجامعات، أو حـلق العـلم غير النظامية له أثره على شخصية المتعلم وطريقة تفكيره؛ فحـين يسود نظام تقليدي صارم يفتقد إلى المرونة والمنطقية، فإن هذا سينطبع على شخصية المتعلمين، وأسلوب تفكيرهم وتعاملهم مع مواقف الحياة، بل يترك أثره على رؤيتهم للواقع وإصدار الأحكام الشرعية عليه، والمتوقع ممن يتربى في هذه البيئة أن يدير أسرته وعمله العلمي والدعوي مستقبلا بالصورة نفسها، وأن تكون هذه الصورة معيارية للتقويم.
- أفكار الشيخ ومنهجيته في التعامل؛ فحـين يكون قاسيا وصارما مع المخالفين، ويبالغ في انتقادهم وتخطئتهم فإنه يربي طلابه على افتقاد [ ص: 80 ] المرونة في التعـامل مع المخالف، ولو كان يردد عليهم مرارا أهمية رعاية حق المخالف.
- السمات الشخصية للشيخ؛ فحين يتسم بالاعتدال في شخصيته وآرائه وأحكامه على الآخرين واجتهاداته، فإنه ينشئ طلابه على الاعتدال، ولو لم يحدثهم عن ذلك يوما ما، وهكذا حين يتسم بالمرونة أو التفاؤل والإيجابية والمبادرة، أو ما يضاد هذه السمات.
- ثقافة المؤسسات والمعاهد والجامعات الشرعية؛ ففي بعض هذه المؤسسات تترسخ ثقافة تقليدية تتميز بها هذه المؤسسات دون غيرها من مؤسسات التعليم المرنة، وتسهم هذه السمات في تشكيل شخصيات المتعلمين وطريقة تفكيرهم.
وتعرض بسامة المسلم نموذجا من تأثير "المنهج الخفي" فتقول: "ومن أمثلة تأثير المنهج الخفي في تكوين الشخصية دور المعلم ذي الخلفية الضعيفة في مادته العلمية، والذي نتيجة لذلك يلتزم التزاما مبالغا فيه بالكتاب المدرسي وصياغته.. إلخ تغطية لضعفه في مادته مما قد يؤدي إلى تشكيل شخصيات لا تعرف كيف تفكر ولا كيف تناقش؛ حيث إنهم لم يتعلموا كيف يفعلون ذلك مع مدرسيهم، كذلك هذا النوع من طرق التدريس قد يقتل الإبداع والابتكار" (ص 105).
إن وعي الأستاذ أو الشيخ بالمنهج الخفي وتأثيره يقوده إلى أن تتسع دائرة تعامله مع عناصر الموقف التعليمي، وكلما زاد تحكمه فيها زادت [ ص: 81 ] سيطرته على هذه العناصر، وقلل من تأثير المنهج الخفي على طلابه، وانتقلت كثير من عناصره إلى دائرة المنهج المعلن؛ حيث أصبح مخططا له ومقصودا ويتعامل معه بوعي وتخطيط.
وغياب معرفة المعلمين والمشايخ بهذه الأبعاد للمنهج يقودهم إلى اختزال عوامل التأثير على المتعلمين في محتوى ما يقدمونه لهم في المنهج المعلن، فلا يتمكنون من تحقيق عدد من الأهداف التي يطمحون إليها، رغم تأكيدهم على ذلك من خلال المحتوى المعرفي الذي يقدمونه؛ لأن وسيلة تحقق الأهداف ليست هي المحتوى المعرفي وحده.
وفي حالات كثيرة يكون تأثير "المنهج الخفي" مناقضا لما يدعو إليه الشيخ، ويسعى إلى تربية تلامذته عليه؛ فالأستاذ الذي يهدف إلى تربية تلامذته على تقبل الخلاف، والأدب مع المخالف، يمكن أن يقدم لهم كثيرا من المحتوى المعرفي حول منهجية الخلاف، لكن منهجه في التعامل مع الخلافات العلمية، وتقبله لخلاف تلامذته له سيكون أبلغ تأثيرا وأكثر فاعلية في تحقيق الهدف.
إن هذا يتطلب تقويما ومراجعة للبيئة السائدة في مؤسسات التعليم الشرعي، والأنظمة والتعليمات، وطبيعة علاقة الشيخ بالمتعلم، وأساليب التقويم.. إلخ، وتعرف تأثيرها الإيجابي والسلبي في تربية المتعلمين. [ ص: 82 ]
التالي
السابق