الفصل السادس
الإصلاح من خلال كشف التأثر بالفكر الغربي
في الكتابة عن الإسلام
المبحث الأول
طبيعة الخطأ العلمي في الكتابة عن الإسلام
- المطلب الأول: خطأ التأثر بالقراءة الغربية للإسلام:
من الأخطاء العلمية أخذ المفاهيم الإسلامية من كتابات الغربيين، والمتأثرين بهم، ومن الأخطاء: الحكم على الإسلام من خلال ما كتب عنه من أقلام غربية أو أقلام مستغربة، فهذا يجر على الإسلام مآس كثيرة، ويلصق به اتهامات باطلة، فلا يمكن للكاتب الغربي أن يعبر عن المفاهيم الإسلامية بصورة سليمة، ولا يمكن له أن يتبنى الفكرة الإسلامية ويحسن صياغتها ويجيد التعبير عنها، ومن الخطأ أن ينظر البعض إلى هذه الكتابات على أنها خير تعبير عن الإسـلام وأفضـل صـورة للدين، وأرقـى تعبـيـر عن المفاهيم، فهذا خطأ كبير.
يقول الإمام: "ولا ننسى بعد هذا أن ما بلغه الغربيون من التقدم في العلوم والفنون قد جعل لهم في القلوب إكبارا، وبلغ هذا الإكبار في بعض
[ ص: 185 ] النفوس الصغيرة أن يفوه أحد الغربيين بكلمة يطعن بها في حقيقة من حقائق الإسلام فيتلقوها منه بمتابعة، ويحسبوها طعنا صائبا، ولا سيما الكلمات، التي تصدر من طائفة يخرجون في زي الكتاب أو الفلاسفة، إذ يقع في أوهام الغافلين أنه نتيجة نظر لا يعرف غير البحث والدليل، ويفوتهم أن في هؤلاء الكتاب من لا يزال في أسر تقاليده وعواطفه، وفيهم من يكون بارعا في ناحية من العلم قاصرا النظر في ناحية أخرى، وها نحن أولاء نقرأ نتائج أبحاثهم في موضوعات إلهية أو تاريخية أو اجتماعية أو لغوية، فترى فيهم من يتبع الظن الذي لا يغني من الحق شيئا، وكان على نشئنا أن يعتبروا بالمناقشات، التي تدور بين علمائهم أنفسهم، فإنها شاهد صدق على أن من علمائهم أو فلاسفتهم من يعتمد الرأي لمجرد الشبهة، ولا يبالي أن يسميه علما وهو لا يرتبط بعد بالحجة أو ما يشبه أن يكون حجة"
>[1] .
فالانبهار بالكتابات الغربية ليس في محله، واعتماد رؤى الغربيين وتحليلاتهم في الفـكر الإسـلامي مصدرا من مصادر المعرفة عند المسـلمين لا يتفق مع أصول البحث العلمي السليم.
"وقد تكون المشكلة في دراستنا التاريخية وسير الأعلام، أو الكثير منها، أنها مرتهنة لمناهج وثقافات بعيدة عن قيمنا وأصولنا ومرجعيتنا، ونسقنا المعرفي؛ لذلك جاءت في معظمها - إلا من رحم الله - مطبوعة بنظرات وفلسفات
[ ص: 186 ] غريبة عن طبيعة هذا الدين، حيث توهم كثير من الباحثين أن تدين الإنسان وإيمانه، لا يمنعه في مجال الحياة والسياسة من المكر والدهاء والكذب والانتهازية، والوصولية والأثرة؛ لذلك تأتي الصورة أقرب ما تكون إلى الشخصية الخرافية المتناقضة.. وبهذه الرؤية والثقافة الانشطارية شوهت رموزنا، وقرئت بأبجديات مخطئة وغريبة عن مناهجنا وقيمنا، وانتقيت روايات هالـكة وضعيفة ومنحـازة، فلم تزدنا تلك المعارف والدراسات إلا بعثرة وارتباكا وحيرة"
>[2] .
والتاريخ الإسلامي تاريخ مشرف للمسلمين في كل زمان ومكان، وهو فخار لكل من انتسب إليه، وانطلق منه، وليس وصمة عار يتلاشاها المتأثرون بالهجمات المتكررة على التاريخ الإسلامي، فإن فئة من خصوم الأمة تصور للنشء التاريخ على أنه مظلم، وليس فيه نور، وعلى أنه كله هزائم متكررة وليس فيه انتصارات، وعلى أن التمسك به والعودة إليه لون من ألوان التخلف والانحدار.
ويلزم أهل التربية تصفية التاريخ الإسلامي مما علق به، وتنقيته من الشوائب، وربط الأجيال به.
- خطأ ترك مصادر الإسلام:
الكتاب والسنة همـا المصدران الأساسيان لهذا الدين، ولا يمكن تنحيتهما واستبدالهما بغيرهما, والذهاب إلى مصادر أخرى تضع للحياة
[ ص: 187 ] نظاما، وبرنامجا للعمل، فهذا كله من الخبط والخلط، الذي لا يتصل بالدين، فهناك ثوابت وأصول.
"من أنكر واحدة منها، فقد ابتغى في غير هداية الإسلام سبيلا، ومثل من يماري في شيء منها ثم يدعي أنه لا يزال مخلصا للإسلام مثل من يضرب بمعوله في أساس صرح شامخ، ثم يزعم أنه حريص على سلامته، عامل على رفع قواعده"
>[3] .
- الأثر السيئ لترك مصادر الإسلام:
ترك مصادر الإسلام له آثاره السيئة, ومن ذلك:
- فراغ الرؤى الإصلاحية:
فجميع الرؤى الإصلاحية، التي تستمد من غير الإسلام إنما هي رؤى قاصرة تزيد الطين بله، والمشكلة تفاقما، والأزمة تعقيدا، وأيضا تؤدى إلى ذهاب الناس إلى خوادع السبل، ومعامي الطرق، وإلى هلاك متيقن، وعذاب متحقق. والخطأ الكبير أن تستمر هذه الرؤى المنحرفة، وأن يصر أصحابها عليها في حين أن الأمور تتدهور، والأحوال تزداد سوءا.
ولهذا كان لزاما على قيادات الأمة الاعتراف بفشل هذه الحلول، وبإخفاق هذه الرؤى، وبالضرورة الاعتراف بحتمية الذهاب إلى الإسلام بمضامينه الثرية, ومعطياته القادرة على إنقاذ الأمة من ورطتها.
[ ص: 188 ]
- الحكم المتحامل على الإسلام:
الجهل بالمصادر الحقيقية للإسلام يؤدي إلى إحداث مظاهر التشكيك، وتكوين الخلفية عن الإسلام من خلال بعض الممارسات المنحرفة والسلوكيات المعوجة، وهذا يؤدي إلى اتهام الإسلام نفسه من قبل المتحاملين على هذا الإسلام. فالإنصاف يقتضي التفريق بين الإسلام كدين له مصادره، ومضامينه التي تتصف بالعصمة، والسداد، وبين تصرفات البعض المعوجة التي لا تتصل بالإسلام ولا ترتبط بمضامينه.
- انحراف التنشئة الثقافية:
فإن جهل النشء بالإسلام من أسباب انحرافه وتشكيله معاول هدم وتخريب لقيم المجتمع. "ينحرف الناشئ عن الدين متى شب على الجهل بحقائقه، وفريق من أبنائنا غير قليل لا يتعرفون الإسلام من وجهه الصحيح، وإنما ينتزعون صورته من مظاهر يرون عليها طوائف من المسلمين، ولم تكن هذه المظاهر من الإسلام في كثير ولا قليل"
>[4] .
-