3- تحدي ثقافة العولمة:
تدعو العولمة إلى إيجاد ثقافة كونية تضم منظومة من القيم والمعايير الضابطة لمجتمعات العالم أجمع. بمعنى أن هدفها الرئيس هو بناء ثقافة شاملة تضم مجموعة ملزمة من القواعد الأخلاقية العالمية، تهتدي عموما بالخبرة المتوفرة حول عدد من القضايا العالمية كالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وحقوق المرأة وغيرها.
إنـها تقوم على "خلـط" الثقـافات لإحلال مفاهيم الثقافة والحضـارة العلمـانية الغربية الحديثة محل مفاهيم وثقافات الحضارات الأخرى في المجـالات المختلفة. إن هـذه العملية ما هـي إلا عملية "تغريب Westernization" عامة، ينتقل من خلالها النمط الغربي إلى كافة شعوب العالم باعتباره النمط الأمثل
>[1] .
وهي ترتكز على رموز تشيعها، وتنشرها بكل وسائل الاتصال المعاصرة. ولا شك أن ذلك يعني ليس فقط غزوا فكريا، تسود فيه الثقافة الغربية على الثقافات الأخرى، وإنما أيضا إحداث شروخ في البنى الثقافية للشعوب المختلفة وتفكيكها، ومن ثم محاولة طمس معالمها، أو على الأقل إظهارها بمظهر العاجزة، التي لا تملك القدرة على الثبات والصمود.
[ ص: 50 ]
وبهذا تمثل العولمة في جانبها السلبي تحديا غير مسبوق، لأنه ينطوي على اجتياح ثقافي عبر ثلاث خطوات متداخلة :تراجع الشعوب الصغيرة عن ثقافتها تحت ضغط الثقافة الغربية، وفقدانها تدريجيا لخصائصها الثقافية. ثم تشقق الثقافات الأخرى، فتبدو في صور باهتة، بينما تبرز الثقافة الغربية كثقافة عالمية راقية زاهية. وأخيرا قيام الروابط والجسور والأدوات التحليلية لإيجاد معايير قيمية عامة، حيث الثقافة الجديدة.