3- وجود قيم إنسانية مشتركة:
من المعروف أن القيم الرفيعة المشتركة، التي تشكل رافعة لكل تطلع حضاري بين الأمم والشعوب، هي عديدة. ويكفي أن نشير إلى بعضها، كالعدل، وتحريم العقوبات الجماعية، والبر والإحسان
>[1] .
العدل قيمة عامة عليا يفترض أن تقوم عليها العلاقات بين الأفراد والجماعات والشعوب والدول. إذ لا تستقيم الحياة البشرية في ظل غياب العدل؛ لأن فيه يكمن الإنصاف. وقد أرسل الله سبحانه وتعالى الرسل لهذا الغرض، كما أنه حرم الظلم على نفسه، وجعله محرما بين الناس. والعلاقات الحضارية بين الأمم والشعوب، ينبغي أن تقوم على العدل، الذي ترتاح إليه الشعوب كافة، قويها وضعيفها. ولا يكون العدل حقيقيا إلا إذا أقر به الضعفاء والمغلوبون. أما "العدل" الذي يصنعه المنتصرون، ويئن تحت وطأته المستضعفون، فهو صورة من صور التسلط.
كما أن تحريم العقوبات الجماعية، أمر ضروري لإقامة علاقات حضارية مجدية لكل الأمم والشعوب. والقاعدة الإسلامية في هذا الخصوص تكمن في الآية القرآنية الكريمة:
( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) (الزمر:7)، وتعـني أن لا تتخـذ الحـوادث الفردية ذريعة لمحاربة الشعوب والتهجم عليها، وربمـا غزوها واحتـلالها، مع مـا يتبع ذلك من تدمير وترسيخ
[ ص: 104 ] للعـداوة والكراهية. لـذلك تنـدرج هـذه القـاعدة ضمـن أي تفـاهـم أو تحالف حضاري.
والبر والإحسان هما قيمتان إسلاميتان تعززان التعامل الحضاري بين الأمم والشعوب. وقد تم اعتماد هاتين القيمتين في علاقة العرب مع غيرهم حتى في زمن الحرب، وإرسال صلاح الدين الأيوبي، رحمه الله، طبيبه إلى ملك الفرنجة أثناء الحروب الصليبية يؤكد ذلك. وقد دعا الإسلام إلى الالتزام بهما وبغيرهما من القيم الرفيعة الأخرى.