1- التعارف:
يمثل التعارف الخطوة الأولى على طريق التكامل، وهو يعتمد على الحوار، ويؤسس لأشكال وصور العلاقات الأخرى، كالتعاون والتحالف. وبقدر ما يتطور التعارف تتطور تلك الصور والأنماط. وهذا يعنى أنه يؤسس للحوار الأرضية الملائمة، ويساعد على الارتقاء به، ولهذا يكون التعارف قاعدة الحوار وأداته.
كما أن للتعـارف من الفاعلية ما يمـكنه من إحداث تحولات مهمة في العلاقة بين الحضـارات والأمم. ونتذكر في هذا المجال أن دخول المغول في الإسلام تم بعد معرفتهم له. لقد مارسوا عند غزو بلاد المسلمين أقصى درجات البربرية، ودمروا الحضارة الإسلامية. لكنهم ما لبثوا بعد معرفة
[ ص: 119 ] الإسلام أن اعتنقوه ودافعوا عنه
>[1] . فالجهل دفعهم إلى محاربة المسلمين، والتعارف قادهم إلى الإسلام والإيمان به.
علينا أن لا نخشى من الاتصال الثقافي بالحضارة الغربية. فهذه الأخيرة، التي حاولنا تقليدها صارت كلاسيكية، والجدير بأن تقرأ وتفسر في إطار فلسفة جديدة، ونحن نعيش السنوات الأولى من القرن الواحد والعشرين. من الضروري أن يتم التواصل مع جميع الثقافات بحيث تتحقق الغايات النهائية التي نسعى إليها. وفي هذا السياق يصبح من واجب الأمم الأخـرى بعـامة، أن تتـواصل لتحقـيق الانسجـام الحضاري بشقيه الروحي والمادي.
فعلى مفكري الأمة الإسلامية العمل الجاد للاستفادة من الجوانب العلمية والمادية في الحضارة الغربية، حتى تستعيد الحضارة الإسلامية فاعليتها. كما أن عليهم تقديم المفاهيم والمناهج الحضارية الروحية القيمة، التي تعين الغرب على تحقيق توازنه الاجتماعي، الذي يكاد يفقده، ويوشك أن يجر على نفسه وعلى الإنسانية ألوانا من التراجع والتدهور وما ينجم عن ذلك من فوضى وخراب.
وبدأ يظـهر في الغرب إقرار بأهمية القيم الإسلامية في المساهمة في إعادة التوازن بين العالمين الغربي والإسلامي، والسير في اتجاه تحقيق
[ ص: 120 ] مستويات أعلى على صعيد الأداء الحضاري بشكل عام. ولا شك أن ذلك يتعزز بالحوار والتفاعل والتوافق والتعاون بين أبناء هاتين الحضارتين وغيرهما من الحضارات الأخرى
>[2] .