مقدمـة
التـربية والقانون نظامان فرعيان في المنظومة الاجتماعية، ويشتركان في كونهما من أدوات توجيه السلوك وضبطه في أطر منظمة أو بشكل ضمني. وإذا كان لكل من هذين النظامين أهدافه النوعية، فإنهما يسهمان في تحقيق جوانب حيوية من الأهداف العامة للنظام الاجتماعي.
ومن الملاحـظ أن كليـهما- وتحت ظـل أي نظـام اجـتـمـاعـي- يجتمعان في علاقة وظيفية تتباين أبعادها ومدى فاعليتها بحسب توجهات كل آيديولوجية أو نظام.
وفرضيتنا في هذه الدراسة تذهب إلى أن العلاقة بين التربية والقانون، في إطار النظام الاجتماعي الإسلامي، هي من الشمول والقوة والعمق ما يجعلها أكثر فاعلية في توجيه السلوك وضبطه مما هو موجود في ظل أي نظام آخر.
ولإثبات ذلك يتعين علينا الإجابة عن الأسئلة الآتية:
- ما خصائص العلاقة بين التربية والقانون في الإطار الإسلامي؟
- هل ثمة منهجية خاصة لبناء العلاقة المذكورة؟ وما آليات تكوينها؟
- ما الحقول، التي تمتد إليها هذه العلاقة؟ وما تجلياتها؟
- ما آثار هذه العلاقة في الإطار المذكور؟ [ ص: 27 ]
للإجابة عن هذه الأسئلة بوسعنا الاستعانة بمنهجيات الوصف والتحليل والاستنباط الفقهي والتاريخ والمقارنة. ومنهجنا الفكري العام في هذه الدراسة سيعتمد على تجلية خصوصية العلاقة بين التربية والقانون في إطارها الإسلامي، سواء على صعيد أطروحة النص المؤسس أو على صعيد البنية النظرية للنظام الاجتماعي الإسلامي وحركيته المفترضة على أرض الواقع.
ومن الجدير بالإشارة أن مقولة "القانون الإسلامي" في هذه الدراسة تشمل الأحكام الشرعية الأصولية الثابتة، والأحكام الشرعية المستنبطة فقهيا والتي يمكن صياغتها على نحو مقنن.
وقيمة هذه الدراسة تتجلى في إيضاح طبيعة الإسلام بوصفه نظاما شاملا ومتكاملا لا تنفصل نظمه الفرعية بعضها عن بعض، وأن كل نظام فرعي فيه يتعاضد ويتكامل مع النظم الفرعية الأخرى. وهذه ظاهرة تكشف عن خصوصية النظام الإسلامي وتميزه عن غيره من النظم الأخرى.
إن قـيـمـة العـلاقـة بين التـربـيـة والقـانون في المـعـادلـة الإسـلامـيـة تتـجـلى فيما يمكن أن تكشفه هذه العلاقة من خصائص أهمها: العمق، والواقعية، والموضوعية، والتدبير المحكم في إدارة الفرد والجماعة ونظام الدولة، وبالنحو الذي ينضبط خلاله السلوك الإنساني ويرشد على مختلف الجوانب الفردية والاجتماعية. [ ص: 28 ]
التالي
السابق