- العدل غاية الشرع وهدفه:
يقول ابن الجوزي، رحمه الله تعالى: "اعلم أن الظلم يشتمل على معصيتين: الأولى أخذ مال الغير بغير حق، والثانية مبارزة الأمر بالعدل بالمخـالفة"
>[1] ، والعـدل هـو الصـورة المقـابلة للظلم، وهو من أسماء الله الحسـنى، به قامت السمـوات والأرض، وعليه أمر الله تعالى أن تقوم الحياة بكل معطياتها وجوانبها.
وقد وردت مفردة العدل في القرآن الكريم في (28) آية، ذلك أن العدل واحد، وليس له صور، وأشكال متباينة، ومترادفات متعددة كالظلم، فطريق العدل هي طريق واحد مستقيم واضح المعالم والتفاصيل، من ولجه وصل، ومن ابتعد عنه ضل وتاه، طريق العدل هي طريق الله وإلى الله ولله وبالله، والعدل مفهوم سهل وبسيط يمكن فهمه ومعرفته من قبل عامة الناس، ومما يلفت النظر، أن الآيات القرآنية التي تتحدث عن العدل جاءت حاسمة، إذ إنها تأمر أمرا بتطبيق العدل
>[2] .
وقد أكد القرآن الكريم في آيات كثيرة العدل المقترن بالحرية بوصفه قيمة عليا لإقامة الحياة وصلاحها في المجتمعات الإنسانية، فقال تعالى:
( لقد [ ص: 57 ] أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز ) (الحديد:25).
يقول ابن تيمية في هذه الآية: "بين سبحانه وتعالى أنه أنزل الكتاب وأنزل العدل وما به يعرف العدل، ليقوم الناس بالقسط، وأنزل الحديد، فمن خرج عن الكتاب والميزان قوتل بالحديد، فالكتاب والعدل متلازمان، والكتاب هـو المبين للشـرع، فالشـرع هو العـدل، والعدل هو الشرع، ومن حكم بالعدل فقد حـكم بالشرع"
>[3] ، فكل ما نهى الله تعالى عنه راجع إلى الظلم، وكل ما أمر به ارتبط بالعدل.
والعدل مشتق من الاعتدال، فما جاوز الاعتدال أو زاد عنه، فهو ظلم لأنه خروج عن العدل، وكل فساد ما هو إلا نتيجة الخروج عن حال العدل إلى ما ليس بعدل، زيادة أو نقصانا. وقد قيل: إن أفعال الخير أو الفضائل ما هي إلا نقاط وسط بين خلقين مذمومين، أو بين رذيلتين، فالشجاعة نقطة وسط بين الجرأة والجبن، والتواضع نقطة وسط بين الكبر ودناءة النفس، والكرم نقطة وسط بين التقتير والإسراف وهكذا
>[4] ، وقيل أيضا: "السلطان السوء يخيف
[ ص: 58 ] البريء، ويصطنع الدنيء، والبلد السوء يجمع السفل، ويورث العلل، والولد السوء يشين السلف، ويهدم الشرف، والجار السوء يفشي السر، ويهتك الستر، فجعل هذه الأشياء بخروجها عن الأولى إلى ما ليس بأولى، خروجا عن العدل إلى ما ليس بعدل"
>[5] .
والعدل عدلان، هما
>[6] :
- العدل في النفس.
- العدل في الآخر.
أما العدل في النفس فيعني حملها على العمل بكل ما أمر به الشرع الحنيف، والابتعاد عن كل ما نهى عنه، والتقصير في هذا الموضوع ظلم والتجاوز فيه جور، ومن جار على نفسه فهو لغيره أجور.
ويشمل العدل في الآخر ما يأتي
>[7] :
- عدل الإنسان فيمن دونه "باتباع الميسور، وحذف المعسور، وترك التسلط بالقوة، وابتغاء الحق في السيرة".
- عدل الإنسان مع من فوقه، فيكون "بإخلاص الطاعة، وبذل النصرة، وصدق الولاء".
[ ص: 59 ]
- العـدل مـع الأكفاء، ويكون "بترك الاستطالة، ومجانبة الإدلال، وكف الأذى".
والعدل قد يكون أداء واجب، أو ترك محرم، أو الاثنين معا، ومنه ما هو ظاهر مثل وجوب الصدق، وعدم الغش، وتطفيف الميزان...الخ، ومنه ما هو خفي، ويشمل عامة ما نهى عنه الكتاب والسنة من المعاملات، مثل أكل الأموال بالباطل والربا والميسر...إلخ
>[8] .
والعدل هو أصل الحكم والسياسة في الإسلام بل هو أصل الحياة في كل جوانبها، وقد قال العز بن عبد السلام: إن العدل هو الأصل العام لجميع الأحـكام الشرعية في كل ميـادين الفقـه، وقـال الرازي: إن القرآن كله ليس إلا تفسيرا لقوله تعالى:
( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) (النحل:90)، فهي قلب القرآن الكريم وجوهره. وعليه، فإن إقامة العدل هو محور رسالة الإسلام، وإن الدعوة للإسلام هي دعوة للعدل الذي يريده الله تعالى لعباده أفرادا وجماعات، ومن ثم فإن المطلوب من كل فرد أن يقيم العدل فيما يقدر عليه، وإذا ما تكرست ثقافة العدل في النفوس وفي المجتمعات، فإن شهوة الظلم والطغيان، تتهاوى وتخبو وتتلاشى
>[9] .
[ ص: 60 ]