- وهن القوة.. وقوة الوهن:
يسوق القرآن الكريم كثيرا من الحقائق والقصص للظلمة، أفرادا وجماعات، ممن ملكوا أسباب القوة، فطغوا وبغوا، فكانت نهايتهم اللعنة والعذاب في الدنيا والآخرة، فهذا قارون الذي كان من قوم سيدنا موسى، عليه السلام، والذي رزقه الله تعالى من الأموال ما لا يعد ولا يحصى، لكنه تنكر لنعمة الله، وغرته نعمة المال وسطوته، ففسد وأفسد، وظلم واستكبر، فكانت نهايته مخزية، ويروي لنا القرآن الكريم القصة في سياقها البليغ والمؤثر:
( إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين *
وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك [ ص: 116 ] من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين *
قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون *
فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم *
وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون *
فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين *
وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون ) (القصص:76-82).
وفي هـذا الصـدد، يشير ابن القيم إلى أربع آيات في القرآن الكريم، "تدل على أن من اتخـذ من دون الله وليا، يتعـزز به، ويتـكثر به، ويستنصر به، لم يحصل له به إلا ضد مقصوده. وفي القرآن أكثر من ذلك. وهذا من أحسن الأمثال، وأدلها على بطلان الشرك، وخسارة صاحبه، وحصوله على ضد مقصوده" والآيات هي
>[1] :
-
( مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ) (العنكبوت:41).
[ ص: 117 ]
-
( وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب ) (هود:101).
-
( واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا *
كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا ) (مريم:81-82)
-
( واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون *
لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون ) (يس:74-75).
لقد ملأ المسلمون الأوائل الأرض عدلا باتباعهم الكتاب العزيز والسنة الشريفة، ثم جاء الخلف فأضاعوا وضيعوا، فأصبحت الدنيا أكبر الهم ومبلغ العلم، فانقلب العدل ظلما، والعلم جهلا، والحق باطلا... وأصبحت الحياة في المجتمعات الإسلامية المعاصرة ذلا وبؤسا بعدما كانت عزا ومجدا: "لقد ألفنا الأدب مع الكبير ولو داس على رقابنا، ألفنا الثبات.. ثبات الأوتاد تحت المطارق، ألفنا الانقياد ولو إلى المهالك، ألفنا أن نعتبر التصاغر أدبا، والتذلل لطفا، والتملق فصاحة، واللكنة رزانة، وترك الحقوق سماحة، وقبول الإهانة تواضعا، والرضا بالظلم طاعة، ودعوى الاستحقاق غرورا، والبحث عن العموميات فضولا، ومد النظر إلى الغد أملا طويلا، والإقدام تهورا، والحمية حماقة، والشهامة شراسة، وحرية القول وقاحة، وحرية الفكر كفرا، وحب الوطن جنونا"
>[2] . ولا حول ولا قوة إلا بالله.
[ ص: 118 ]