- الثقافة البديلة:

وفي تقديرنا أن طريق الخلاص من (ذهنية التهوين والاستسهال) ومن الحـالة الذهنية المقـابلة (ذهنية التهـويل والتضخيـم والاستحالة والعجز)، وفي كليهما تطفيـف وفقـدان تـوازن واهـتزاز للنسب، إنما يتطلب العمل على بناء ثقافة بديلة، تؤمن بأهمية الاختصاص وضرورته، وتثق بالخبرة، وكيف أن ذلك هـو السبيل والوسيـلة والأدوات لفهـم الظـواهر وتحليلها إلى عناصرها وأسبابـها الأولى، والنـظر في جـوانبـها من الزوايا جميـعا، وهـذا لا يتأتى إلا بتوفير الاختصاصات المتعلقة بجميع الجوانب، بحيث ترى الظواهر من جميع زواياها، حيث يمكن ذلك من إبصار الحل والمخرج الصحيح لتجنب الأزمات المتوقعة، وإدارتها أثناء وقوعها، ومعالجتها بعد وقوعها بأقل قدر من الإصابات.

وقد يكون المطلوب في الثقافة البديلة أن ترتكز على الحوار بين هذه التخصصات جميعا، شريطة أن يكون الحوار في فضاء مفتوح تتلاقح فيه ذهنية التهوين مع ذهنية التهويل، لينتج ذلك ذهنية الاعتدال، أو ثقافة الاعتدال وانضباط النسب، وعدم اختلال المقادير ( وكل شيء عنده بمقدار ) (الرعد:8) بحيث يعمم ذلك ليصـبح ثقافة أمة وليس رؤية نخبة وأصحاب اختصاصات مغلقة على نفسها، وبذلك وحده ترد الأمور إلى نصابها، وتخلص من حالة التشويش والفوضى الذهنية، التي قد تكون طبيعية في بادئ الأمر في حالة استقبالها للظاهرة أو الإشكالية أو الأزمة، وتصبح [ ص: 115 ] غير طبيعية حالة استمرارها على هذه الحال دون أن ترد إلى أهل الاختصاص والنظر للوصول إلى حلول ومعالجـات مجـدية، يقول تعالى: ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ... ) (النساء:83)، ذلك أن المهم هو الرد إلى أهل العلم والتخصص، وعـدم الاستمرار في الإذاعة والإشـاعة لتتحول من حـالة طبيعية في بدئها إلى حالة غوغائية فوضوية في استمرارها وامتدادها.