- الصراع في الممارسة:
وقـد يكون مـن المفيـد، بـعد أن ألقيـنا نظرة على عالم الأفكار، في استـعراض الفلسـفات والتنـظيمـات المتـطرفة من نازية إلى فاشية إلى لا سامية إلى كل منظمات اليمين المتطرف، أن نذكر طرفا من الممارسـات الخطـيرة التي تعتبر تجليات لهذه الأفـكار والمرجعيات أو الخلفيات الفكرية لهذا النسق الثقافي.
[ ص: 126 ]
فالحمـلات الصليبية، بكل أسبابها ونتائجها، والتي قادها وحرض عليها رجال الدين والملوك الذين يحمون الدين ويمثلون إرادة الله على الأرض ودفعـوها باتجاه العالم الإسـلامي، والآثار الخطـيرة التي رافقتها ونتجت عنها خلال قرنين من الزمان، من تأجيج الأحقاد الدينية، ما تزال تفعل فعلها في العقل الغربي.
وحسبنا أن نقول: بأن ما وقع في ساحة بيت المقدس وحدها من الضحايا قد تجاوز التسعين ألفا حتى غرق الأقصى بالدماء، هذا حصل بأسلحة تلك الأيام، ونقول: ما يزال المخيال الغربي عامة مشـبعا بروح الحروب الصليبيـة؛ ومدفوعا بها، هـذه الروح والثقـافة ما لبثت أن رافقتها في حروب الاستعمار الحديث (الجنرال غورو عندما دخل دمشق ووقف على قبر صلاح الدين الأيوبي وقال قولته الشهيرة: الآن انتهت الحروب الصليبية)، وما نلاحظه من فلتات الفم وما يبدو من الأفواه عما تخفي الصدور قبل أن يتحكم فيها اللسان ويكيفها، من وسم المواجهات بأنها امتداد لحرب صليبية، وليس ذلك فقط بل هي حرب صليبية، سواء على مستوى أكبر الرموز السياسية أو الفكرية أو أكبر الرموز الدينية، وحتى بات تسخـير مجـالات الفن والإعـلام لها بين حين وحين (الرسـوم الكاريكاتورية) مـؤشرا واضحا على ما تخفيه الصدور:
( قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ) (آل عمران:118).
[ ص: 127 ]
وسـوف يسـتمر الصراع من وجهة نظرهم؛ لأنه يمثل جـدلية الحيـاة، حتى ينتهي التاريخ بالنصر وسيادة القيم الحضارية الغربية، بعيدا عن مفاهيم التعايش والتعاون والشراكة الحضارية، وحتى عندما يتعرض استخدامهم للقوة لأي انتكاسة في عدم بلوغ الهدف، فإن ذلك يعزى إلى التقصير في عدم استعمال القوة الكافية.. وسوف لن يوقفوا الصراع حتى يلغوا (الآخر) ويؤمن بقيمهم وسيادتهم ...
( حتى تتبع ملتهم ) (البقرة:120).