مدخل:
نزل القـرآن الكريـم بلغـة عربية، تجمع بين اعتبارها وسيلة إبلاغية، وبين كونها وسيلة معرفية جمالية نزلت بلسان عربي مبين. والإبانة هنا تؤكد إعجـاز القرآن الكريـم من خلال علاقة اللغة ببعديها الإبلاغي والجمالي. وقد سعى القرآن الكريم في تقديم جزء كبير من خطابه من خلال مادة قصصية، سادت في جل السور، بشكل تجعل المتأمل يكتشف أن خطاب القـص فيه، ليس مجـرد إخبـار عن أحـداث ماضية من أجل العظة والاعتبار، وإنما أيضا هو تأسيس لسياق جمالي وثقافي، يرسخ حقيقة التوحيد، وينسج خصوصيات جمالية ومعرفية، مغايرة لسياق الشرك وآفاته، ولمرجعية الشعر وسطوته.
من هنـا كان الاقـتراب من استجـلاء بعض ملامـح جمـالية القـص في القرآن الكريـم، يعـد مطلبا ملحا، يسعـف في محاولة ملامسة ما تحمله بعض سماتـها من العطـاءات الربانية، المخـاطبة لمقـامـات المتلقـي في مختـلف ما تبسـطـه المادة القصصية وتنوعها، المبثوثة على طول القرآن الكريم، واستنبـاط دلالاتـها وفهمها، والارتقـاء في معـارجها، [ ص: 23 ] من أجـل تحقيـق الفهـم والتـدبر، وإنـزال مقـاصـدها وجمالياتـها على واقعنا المعيش، للمسـاهمة في إعـادة تشكيل عقـل ووجـدان الإنسان، وتطبيق العمل بمقتضاها.
وأروم في هذا الاقتراب، بإذن الله، الاستناد إلى التفاعل المستمر مع القرآن الكريـم، ومحـاولـة خـوض غمـار مسـالـكه وحـدائقـه، والإنصات إلى نبض معـانيه ورهيف جماليـاته بعدة البلاغة، وقدح زناد الأسئلة الفنية والمعرفية، واستصحاب مصادر التفسير، من قرآن وسنة نبوية وبعض التفـاسير المعتـبرة. وقبـل هـذا وذاك، استحـضار التأمل والتذوق السليم، كي لا يضيع الهدف الأسمى من أي قراءة أو فهم، ألا وهو تعبيد الحياة لله رب العالمين. [ ص: 24 ]
التالي
السابق